القصة ليست قصة مباراة انتهت بالهزيمة أو كأس عالم انتهى بالخروج أو حلم تحول إلى كابوس، القصة أكبر من ذلك وتتجاوز تلك التفاصيل، إنه ليس عدم الانتصار فى لعبة رياضية، وإنما الهزيمة فى الانتماء لوطن، صرنا نتعامل مع الوطن تعامل عابر السبيل أو مُحدث النعمة مع غرفة الفندق التى يحجز فيها يوماً ويمر، حتى رقم الغرفة لن يتذكره إلا إذا سأله عنه مدير المطعم وقت الإفطار، لا مبالاة نزيل الغرفة تظهر بصماتها فى الهرجلة والسرير المنعكش وبقايا الطعام التى على الموكيت وفوط وبشاكير الحمام الملقاة على السيفون وأرضية البانيو، التكييف المفتوح على البلكونة المفتوحة، الحذاء الملقى فى الثلاجة والجوارب الموضوعة على صينية الشاى!!، وكأن نوبة جنون أصابت ساكن الغرفة!، هذا هو حالنا الآن مع هذا الوطن، الجميع يتعامل معه كفريسة ينهشها من كل جانب، يتصرف مع مصر كعبء لا كمسئولية. ما حدث فى مونديال روسيا تلخيص مصغر لهذا السيناريو الكئيب، الماتش يروح وييجى على رأى المصريين، لكن الذى يروح ولا يجىء هو هذا الانتماء، هو هذا الاسم واللقب الذى تحمله، مصرى، هذا هو ما أحس وأشعر أن الكثيرين صاروا يتعاملون معه كأنتيكة أو قطعة روبابيكيا لا بد من التخلص منها بأبخس الأسعار، رئيس نادٍ كبير يتعاقد ويتحدث عن صفقات للاعبين ما زالوا هناك فى كأس العالم فى انتظار مباراة مع منافس يشرف عليه المشترى ومهندس الصفقة!!، ماذا تسمى هذا التصرف؟؟، عضو اتحاد كرة وكان رئيساً للبعثة يضحك ملء شدقيه فى المدرجات عند هزيمتنا من روسيا «وله نِفس يهزر ويضحك ويرسل فيديوهات وإنستجرام»!، إنه سلوك وروح عابر السبيل نزيل غرفة الفندق لا صاحب البيت، إدارة تصر على الشيشان كمكان إقامة وتتحدث عن مكانته فى الجهاد الإسلامى وكأنها ذاهبة لغزوة وليس لتنافس رياضى، وترضى أن تسافر أربع ساعات للمباراة مجاملة لصاحب المكان الذى عليه علامات استفهام سياسية ورطت معها الزهرة الوحيدة التى نتباهى بها فى العالم ورطة سياسية لا داعى لها على الإطلاق وسببها الوحيد هو الحماقة!!، إنها روح ساكن غرفة الفندق اللى رايح فـ «يكتّر من الفضايح»!. تعلمنا أن اللاعب مقاتل و «بياكل النجيلة وبيلعب بروح الفانلة».. إلى آخر ما كنا نعتبره بديهيات رياضية، لكننا فى هذا المونديال اكتشفنا مصطلحات جديدة وهى اللاعب المقموص من زميله، واللاعب الناكز لزميله، واللاعب الحاقد على زميله!!، كنا قد تعلمنا من كابتن لطيف أن «الكورة أجوان» وأن المستطيل الأخضر هو الفيصل، ولم نتعلم أن «الكورة شماعات»، تارة نعلق فشلنا على سفر فنانين، وتارة نعلقه على إصابة كتف صلاح، ودوماً نعلقه على شماعة النحس. متى نحس أن الوطن بيت دائم وليس غرفة فندق ترانزيت؟!.