من يتخيل أنه سيستطيع إحكام رقابة أو تنفيذ مصادرة فى زمن الإنترنت فهو واهم ومخدوع، لا أقول هذا الكلام بسبب فيلم المخرج خالد يوسف فقط، لكننى أفتح القوس وأوسع الكادر وأقوله بمناسبة ما يدور دائماً فى مكاتب مؤسسات الإعلام وهيئاته وأروقة البرلمان وجلسات نميمة كبار المسئولين من مطالبات بمنع ومصادرات وتضييق وملاحقات لكتاب أو فيلم أو مسرحية أو لوحة.. إلخ، تارة بحجة أن الفن هو الذى شوه الواقع، وتارة أخرى بحجة حماية الشباب والحفاظ عليه، والحقيقة أن الواقع المشوه هو من صناعة المتحذلقين المطاردين للفن المتأفّفين من الإبداع، والفن لا يفعل شيئاً إلا أنه يرصد وينقل ويعكس ويوضح ويشرح، أما الشباب فهو لا يحتاج وصايتكم، بل يحتاج لأن تمنحوه مساحة تنفّس، فأنتم لا تحتكرون الحقيقة والكمال، والكثير من تجاعيد الزيف تُخفى نياتكم المبيّتة فى كتم أصواتهم حتى لا يكشفوا المسكوت عنه، أنتم تسمون الإبداع الكاشف فضيحة، بينما هو كشف لا فضيحة، كنس التراب تحت السجادة ليس حلاً، فهو تخزين للعفن وتكريس للقبح. يا سادة فى زمن مستر جوجل وعصر الخواجة يوتيوب انسوا حاجة اسمها رقابة ومصادرة ومنع، وعلى رأى الفنان الراحل مدبولى «كل شىء انكشفن وبان»، كل المستور تعرّى والمسكوت عنه ظهر للعلن، الشاب الذى كان مضحوكاً عليه من رجال الدين وكان كسولاً عن البحث فى عشرين مجلداً للحصول على معلومة، صار بضغطة زر كيبورد يعرف الحديث الذى كان الداعية قد أخفاه وراهن على ذاكرتنا السمكية للجهل به وكتاب التراث المحرّض على قتل الآخر، الذى يخدعوننا بأنه كتاب لتنسيق الزهور، أخرج مستر جوجل للحاج فلان بن علان لسانه وقال له نحن هنا «مش حينفع من النهارده تضحك على شاب»، المواطن الذى كان السياسى يزيف وعيه بصناعة تاريخ مزور مواز، قطع الخواجة يوتيوب الطريق على هذا السياسى بالصوت والصورة، بالإفحام، بالوثيقة التى لا تكذب. الإنترنت وجوجل ويوتيوب وفيس بوك وتويتر.. إلخ دفنوا عالم المصادرات والرقابات، وتقبّلوا العزاء، وانفض السرادق، ونحن ما زلنا نظن أن الفقيد حى، ونتوهم أن مقبرته بستان حياة.