لم يُدهشنى تصريح وزير خارجية العراق بأن جفاف نهر دجلة نبوءة بالمهدى المنتظر!، كان سعيداً بتلك البشارة، مسروراً بطوق النجاة، فحتماً سيأتى «المهدى» لإنقاذ العراق من محنتها، رغم أن وظيفة حكومته هى أن تنقذ العراق من محنتها، لكن الظاهر أن إبراهيم الجعفرى تم تعيينه وزيراً لكى ينتظر «المهدى»، وتلك لو تعلمون مهمة مقدّسة، لم أندهش لأننى أعرف خلفية الوزير، فهو عضو فى حزب الدعوة الشيعى المطالب بتطبيق الشريعة، بدلاً من القانون المدنى، ببساطة هو ينتمى إلى الإسلام السياسى ويشرب من نفس المعين الفكرى لكل حركاته وتنظيماته، سنية كانت أم شيعية، بدلاً من النظر إلى السد التركى ينتظر «المهدى» الذى سيخرج من كهفه، وبدلاً من دراسة الواقع يهرب إلى عالم الأوهام، المشكلة ليست فى «الجعفرى» ولا فى «المهدى» إنما فى العقل المسلم الحالى الذى لا بد من تشريحه على منضدة الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، للوصول إلى هذا الخلل، وذلك الاضطراب الذى أصاب أمة اقرأ التى أقصت «ابن رشد» لصالح «ابن تيمية»، ولم تنتبه إلى أهم دلالات قرآنها، وهو تفاعله مع الأحداث واحترامه تغيّر الزمن وتبدّله، خان المسلمون المعاصرون العقل للأسف، وقرّروا تحنيط النصوص وعبادة أصنام بشرية وحفظ كلامهم وترديده وتطبيقه حرفياً وكأنه قرآن موازٍ أو مصحف بديل، أهم مظاهر هذا الخلل وذلك التشوش هو هجر الفكر العلمى الذى برهانه الدليل وقائده التجربة الملموسة التى من الممكن دحضها وتخطئتها وتكذيبها على أرض الواقع، وتبنى الفكر الأسطورى اللاعلمى الذى برهانه العنعنة ولا يمكن إثباته أو تكذيبه بالتجربة، هناك بالطبع فى أوروبا وأمريكا أناس يؤمنون بالخرافات والأساطير، لكنها عندهم لا تُترجم إلى قوانين ولا تدخل إلى المعامل والمؤسسات ولا يُدق على بابها لتسول الحلول، الخرافة لدينا هى القاعدة، ولديهم هى الاستثناء، كيف ينهض مجتمع وتتحضّر أمة ما زالت تعيش وهم المهدى المنتظر، ويؤمن بعض من ينتمون إليها بأن جبريل نزل فى رابعة مساندة لعصابة، ويؤمن آخرون بأن أغلى انتصاراتهم الحربية هى ترجمة رؤيا لشيخ فى المنام، كيف وهم يؤمنون بأن لاعب كرة قد انتقم منه الله لأنه أفطر أياماً فى رمضان؟!، كيف وهم منبهرون ويقدسون من غسل أدمغتهم وزيف وعيهم طوال ربع القرن بصفحة أسبوعية فى أكبر جريدة عربية يحدّثهم عن الإعجاز العلمى ويخبرهم بأن الإعصار هو انتقام إلهى من لابسات البكينى على الشاطئ؟!، كيف ندلف إلى زمن الحداثة والمستنير منهم يخبرنا بأن أقصى مدة للحمل أربع سنوات، والجليل لديهم يدافع عن بول الإبل كعلاج ناجع؟!!، دجلة ليس الوحيد الذى جف وإنما عقلنا الإسلامى هو الذى جف وتصحّر وتشقّق وفقد الزرع والضرع والخصوبة والحيوية، صرنا فى ذيل الأمم لا نساهم حتى بصناعة ترس فى آلة أو مسمار فى ماكينة، مجرد مستهلكين لمنتجات الغرب ولخرافات الشرق، نمضغ ونلوك ماريجوانا التغييب بأوهام التفوق الدينى الذى لخصناه فى الطقوس، بينما نحن عائدون من رحلة دفن الضمير فى مقابر الشكليات، نشمت فى انفجار سفينة فضاء أو تدمير برج تجارة أو تحدى مرض لأطباء كى نضمد جراح نرجسيتنا ودونيتنا ونسد نزيف تقهقرنا وتخلفنا ونرتق اهتراء تفكيرنا وتشوشنا، نجتر ماضينا لنحلم بالسراب، نعيش واقعاً افتراضياً من نسج خيالنا الفقير، ونتوق إلى فردوس جعلناه بأوهامنا خط إنتاج شهوات متوهج!، لا خلاص لنا إلا بطرح الأسئلة الجديدة لا بالاستكانة إلى أجوبة قديمة صيغت منذ عشرة قرون، انتظار المهدى على ضفاف دجلة وانتظار جبريل فى ميدان رابعة علامة على أن أضخم مشروع جديد لا بد أن تستعد له الحكومات العربية هو بناء مصحة عقلية من المحيط إلى الخليج.