كراهية السلفى للفن تنبع من بئر مسمومة أخرى، بئر الخوف من سحب بساط السلطة والتأثير، هو يدرك جيداً ويعرف أن الفن هو خصمه على مساحة الوجدان، السلفى مرعوب من هذا المنافس الناجح، المنافس الذى يتعامل مع البهجة بينما السلفى يتعامل مع الجهامة، المنافس الذى يتعامل مع ثقافة الحياة بينما السلفى يتعامل مع ثقافة الموت. هو يخشى هذا المنافس الذى يستعمل اللون والنغمة واللحن والرقصة والإيقاع، الفن لغته أبسط وأسهل وأسلس وأكثر هزاً للوجدان وأعمق وأرحب، السلفى ما يقتات به ويتاجر فيه ويؤثر به هو استغلال خوف الإنسان من الموت والفناء، لكن الفن يلعب على وتر «عش الحياة واستمتع»، رقى الوجدان سيصل بك إلى أعلى درجات المتعة الروحية والإيمان التصوفى وليس الإيمان الانتهازى الذرائعى الطقوسى، السلفى يكره الصوفى لأنه لمس هذه النواة الفنية السحرية، الصوفى يهتز رقصاً وطرباً ويتعبد بالشعر ويغنى، لذلك الصوفى هو أعدى أعداء السلفى. وكما لن يخرج من بين السلفيين عالم فيزياء أو بيولوجى... إلخ حقيقى، كذلك لن يخرج منهم فنان، لأنهم يغفلون عن إنسانية الإنسان ويظلون يطاردون فيك النموذج الأيقونة بالنسبة لهم، نموذج المجاهد التكفيرى المكشر الفاقد للتواصل الإنسانى، ما زال السلفى يغطى التماثيل، بل يحطمها ويقدم بلاغات فى من يضع على صفحته تمثالاً عارياً!! نفخ فى الفضاء العام أنها أوثان فأصبح قسم النحت فى كلية الفنون الجميلة ينعى من بناه!! ما زال السلفى يطارد الأفلام، ونقل العدوى إلى الفنانين أنفسهم، فصاروا يدّعون ويتباهون بأنهم يقدمون سينما نظيفة وكأننا نغسل الشاشة بسافو ورابسو!! الباليه يعتبره عرياً، الموسيقى هى مزامير الشيطان، السلفى يفزعنا بأن الملائكة لن تدخل بيتاً فيه تصاوير، هو يكره الفن لأن وجدانه سقيم.. متصحر.. متجهم.. عقيم.. يكره الخصوبة والنماء، حتى فن تلاوة القرآن الذى مصّر قراءته وفنّنه المصريون.. حاربه. صادر عبدالباسط والمنشاوى من أجل الحذيفى والسديس، أزاحت الرتابة الوهابية وقراءة المقابر التى بلا روح، طعم الفن المصرى المعبّر الساحر الجذاب الحى، وكأنهم يخافون من ألوان طيف الفن أن تخدش سواد قلوبهم الصخرية.