سعدت كثيراً بصدور أول أعداد المجلة السينمائية المتخصّصة «تلى سينما» والصادرة عن نقابة المهن السينمائية، المجلة مدهشة مضموناً وشكلاً، وبصمات رئيس التحرير أيمن الحكيم، الجاد المجتهد وصاحب الحس الصحفى المرهف والمدقّق المحقّق فى شئون الفن والسينما، هى بصمات واضحة وظاهرة على اختيار الموضوعات وزوايا التناول، وأرجو ألا يكون العدد هو بيضة الديك، أو الأول والأخير، مثل تجارب سابقة كثيرة، لكننى أراهن على حماس النقابة فى نشر الثقافة السينمائية لغير المتخصّصين قبل أعضائها المتخصّصين فى فروع السينما المختلفة، هذا الحماس الذى آمل أن يضخ دماء جديدة فى شرايين الصحافة الفنية الغائبة عن الساحة باستمرار، تلك المجلة المتميّزة، الموضوعات كلها بلغة الصحافة مخدومة، ومبذول فيها جهد، وغير مسلوقة، وظاهر فيها الاحترافية، ومنها ما يُعتبر دراسات مرجعية، ملف المخرج الكبير وشاعر السينما داوود عبدالسيد القليل الإنتاج والكثير العطاء والحالم دوماً بسينما مختلفة، وملف الناقد الجميل الذى فقدناه وترك فراغاً فى ساحة النقد والقراءة السينمائية على أبوشادى، وأيضاً ملف المتمرّد الجسور القافز فوق أسوار المألوف السينمائى، ملف أيضاً متميز، وذكاء من رئيس التحرير اختيار زوجة الفنان لكتابته. هناك دراستان فى المجلة خارج الصندوق، الدراسة الأولى هى عن الملحد، وكيف تناولته السينما المصرية، والدراسة الثانية عن صورة المرأة، هذه الدراسات التى تمزج الفن بعلم الاجتماع بالرؤية السياسية والثقافية، تمنح مذاقاً وعمقاً للمجلة، وتبعدها عن خفة التناول وسطحية العرض، أما التقرير الذى أزعجنى وأرّقنى فعلاً فهو التقرير الخطير عن دور السينما المغلقة التى تحولت إلى خرابات أو محلات أحذية، والأقاليم التى تصرخ الآن من عدم وجود دور عرض كافية وأحياناً انعدامها تماماً، هناك محافظات بلا دار عرض سينمائية واحدة وتلك كارثة!!، المجلة تدق ناقوس الخطر، ويكفى أن أنقل إليكم بعض الأرقام المفزعة والكارثية كأمثلة سريعة وإشارات لحجم المشكلة، الدقهلية تحولت فيها سينما الكواكب إلى مول تجارى، وسينما عدن إلى جراج، وسينما النصر إلى برج سكنى، وأوبرا إلى ساحة ركن سيارات، وسينما المنزلة إلى دار مناسبات وصوان عزاء!، وركس إلى خرابة، أما سينما التحرير فقد هُدمت تماماً!، محافظة الغربية كان فيها 12 دار سينما بقى منها خمسة فقط، أما المنوفية التى كان فيها شارع اسمه شارع السيما فلم يعد فيها أى دار عرض، ودمياط التى كان فيها 4 دور عرض أُغلقت جميعاً، وفى كفر الشيخ أغلقت سينما بلطيم، وضم المحافظ سينما الجمهورية إلى ديوان المحافظة!، الإسكندرية كارثة، فقد هُدمت فيها 46 دار عرض!، وفى كفر الدوار هُدمت السينمات الثلاث، وفى الشرقية هُدمت جميع دور السينما، وفى بورسعيد التى كانت ثالث مدينة تُفتتح فيها سينما، هذه المدينة الساحرة أُبيدت فيها «الأربعتاشر سينما» عن بكرة أبيها!، والإسماعيلية كان فيها 25 صالة عرض، تمت تصفيتها إلى أربع فقط، وفى السويس هُدمت 18 دار سينما!!، إنها مذبحة، وما زلنا نتساءل كيف نقضى على التطرّف ثقافياً؟!