كلما زرت أوروبا تأكدت أكثر أنها لا تدرك خطر السلفية والإسلام السياسى على هويتها الثقافية واختياراتها العلمانية وتركيبتها السكانية، وأنها تحلق بملائكية فى عالم الخيال، وتظن أنها تستطيع ترويض هؤلاء الضباع وتحويلهم إلى عصافير كناريا!، وعندما قرأت حكاية هندة عيارى وكتابها، «اخترت أن أكون حرة»، تأكدت أكثر أن ما يغلى تحت السطح أخطر بكثير من الظاهر الهادئ، وأن قمة جبل الجليد الأوروبى العلمانى يخفى فى القاع كهوف الفاشية الدينية المتخلفة، التى صارت شقوقها ومخابئها حضانات إرهاب لأكثر الأفكار رداءة فى العصر الحديث، هل يتصور أحد أن هناك فى فرنسا زوجاً يضرب زوجته لأنها تستخدم الكاميرا أو تشاهد التليفزيون، وكأننا نعيش فى كهوف التكفير والهجرة أو تنظيم الشوقيين؟!، هل يتخيل أحد أن زوجاً فرنسياً يمنع زوجته من الذهاب للجامع حتى لا تفتن الرجال ويضع ملابسها القديمة فى سلة المهملات ويحرق كل ماضيها؟، أما حكايتها مع طارق رمضان، حفيد حسن البنا، فيشيب لهولها الولدان، اغتصاب مقنن وشرعى تحت اسم الدين والجهاد!، دروس كثيرة نتعلمها من هذا الكتاب، وأرجو أن تستوعبها أوروبا النائمة فى العسل، والتى ستربى لحيتها وتقصر جلبابها إجباراً لا اختياراً عما قريب إذا لم تنتبه إلى تلك الكارثة التى تنمو فى أحشائها، وستلد قريباً مسخاً ينتمى إلى العصور الوسطى وزمن ما قبل الحداثة، بل ما قبل اكتشاف النار!!، هندة عيارى، مؤلفة الكتاب، فرنسية من أصل تونسى تعرضت لأزمة نفسية بعد فقدان شخص عزيز عليها، غسلت مخها صديقة منقبة، استغرق الأمر 24 ساعة فقط حتى تتحول فتاة فرنسية متحررة ترتدى الجينز إلى فتاة سلفية متزمتة ترتدى النقاب!!، إذن، الأمر بدأ بانكسار نفسى، وما أسهله فى عالم الاغتراب وفى دنيا الفتيات، وفى جيتوهات المسلمين المهاجرين، هذا الانكسار كان عتبة السلم الأولى إلى هذا العالم الأسود، سلمها النقاب إلى زوج سلفى متشدد، وهى لا تزال فى العشرينات، تقول «هندة» عن حياتها مع هذا الزوج «لم يكن يتحمل أن يرى الآخرون حاجبىّ، انتهى أيضاً زمن الاستمتاع بسماع الموسيقى، أو الذهاب إلى السينما، أو حتى مشاهدة التليفزيون، إذ يجب تجنب تشغيل التليفزيون كى لا ندخل الكفار إلى بيتنا، يقول زوجى السلفى وككل السلفيين: التقاط الصور حرام، وكذلك الاحتفال بيوم الميلاد»، ولكنها -حسب قولها- كانت تأخذ صوراً لأبنائها خلسة، وفى يوم من الأيام فاجأها وهى تستعمل آلة التصوير، فأشبعها ضرباً، ما الذى جعلها تتحمل تلك المهانة؟، أولاً غسل دماغها وتزييف وعيها بأنها تأخذ ثواباً بطاعة هذا الزوج السلفى، الذى يجب عليها الانسحاق أمامه حتى فى العلاقة الحميمة وإلا لعنتها الملائكة، ثانياً ارتباطها بأبنائها، تحملت الكثير من الهوان والقهر، ولكن الخوف على مستقبل أبنائها كان أيضاً هو شرارة التغيير، كانت تتخيل أن مجتمع الفرنسيين سيقابلها بعد الخروج من سجنها بعدوانية، لكنها وجدت العكس تماماً، وهنا درس مهم، فالسلفيون يزرعون فى الأوروبى بذرة الكراهية وشيطنة الآخر حتى يفقد الشخص مغسول الدماغ إمكانية التواصل معه حتى بعد الإفراج العقلى، تقول: «لقد أدركت أن كل ما كان يقال لى هو مجرد هراء، وأن هذا المجتمع لا يريد لى الشر على الإطلاق»، وتصف إحساسها بعد طلاقها: «أنا فخورة بنفسى اليوم، أعيش حياتى الروحية أقوى من ذى قبل، واسترجعت سيطرتى على نفسى. أنا اليوم امرأة حرة»، الجميل أنها أسست جمعية تحرير النساء والدفاع عن حقوقهن وإنقاذهن من الأصولية الإسلامية، أما قصة خداع طارق رمضان التقى الورع والإخوانى المؤمن الذى تحرش بها واغتصبها، فهى أغرب من الخيال، وقدر البجاحة فيها يتجاوز الحدود، يكفى أنه قد قال لها بعد أن هددته بكشف أمره: «هندة.. أعرف كل شىء عن حياتك.. حذار، لست وحدى، فحولى أناس كثيرون يساندوننى.. لا أريد أن يحدث لك مكروه ولا لأولادك»، وها هى الدعوى رقم 3 ضده، التى تحمل توقيع «هندة»، كاشفة اسمه الذى كان سرياً فى الكتاب، ها هى تُنظر أمام المحاكم، أوروبا ستستيقظ بعد عشرين سنة على طالبان، ولكنها بعيون زرقاء وشعر أشقر.