الكلمات تهدم أمماً وتخرب أوطاناً، ولا توجد عبارة هادمة مخربة لعقل مصر مثل عبارة «القلة المندسة»!، ظل الرئيس الراحل أنور السادات يستخدمها ويكررها ويلح عليها فى وصفه لفريق المعارضين غزلاً فى فريق المتأسلمين حتى اغتاله الفريق الثانى فى يوم عرسه وهو يحتفل بالنصر بعيداً عن أعين المندسين المتلصصين، ولو كان قد استمع إلى المندسين الأراذل لتغير المصير ولظللنا حتى هذه اللحظة نحتفل بالعُرس فى ساحة المنصة التى باتت خرابة تنعى من بناها، تكررت هذه العبارة منذ يومين فى مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ولكنها لم تكن من الرئيس ولكنها كانت من وزير الأوقاف!، يظن الكثر من الشيوخ الأفاضل أن مهمتهم هى الكلام فقط، وأن تحريك الشفاه هى وظيفتهم المقدسة، وتناسوا أن مهمتهم الأساسية هى الاستماع والإنصات لآلام الناس وشكاواهم وآرائهم، الحكاية باختصار أن السيدة ألطاف البارودى وقفت فى المؤتمر وأعلنت عن رأيها بأن كثيراً من المساجد تصنع التطرف بخطبائها وترك الشباب مغسولى الدماغ بواسطة المتطرفين، أظنها جملة عادية تمثل حقيقة ماثلة ومتجسدة على أرض الواقع، وبزيارة سريعة من فضيلة وزير الأوقاف لمكتب النائب العام والاطلاع على تحقيقات النيابة مع التكفيريين، سيجد أن البداية دائماً كانت خطبة فى جامع ودرساً فى مسجد واجتماعاً بعد صلاة عشاء، ولا نستطيع أن نقول إن مساجد وزارة الأوقاف هى أماكن يدخلها الملائكة فقط ولا يستطيع الاقتراب منها متطرف، ومن يقول إن كل الخطب على المنابر هى قصائد تسامح وقبول للآخر وتمجيد للمرأة وتقريب بين المذاهب..إلخ، فهو حتماً ماهر فى تأليف قصص الخيال العلمى، المهم أن هذه السيدة، التى قدمت نفسها على أنها من حزب «مستقبل وطن»، تعرضت لما لذ وطاب من صنوف الاتهامات، وكان آخرها اتهامها بأنها من القلة المندسة!، فقد نزل الوزير بذات نفسه من على المنصة وتوجه إليها فى القاعة وأشار إليها غاضباً متهماً إياها بأنها من المندسين الوحشين، وطالب بإخراجها من القاعة وصارت المشكلة هى: هل جاءت بدعوة رسمية أم أنها قد حضرت بخطة شيطانية شريرة صهيونية ومرت عبر قنوات صليبية علمانية ماسونية؟!، اعتبر وزير الأوقاف أن مساجد الوزارة مستعصية على تسلل التكفيريين إليها، وأن كل موظفيه ملائكة أبرار وأن المتطرف لا يستطيع الجلوس فى المسجد لأن هناك راداراً قد قام بتركيبه الوزير يصدر سارينة عندما تلمع فكرة متطرفة فى ذهنه!، يا فضيلة ومعالى الوزير، الإخوانيون يمرحون ويسرحون فى وزارتك، والسلفيون يسيطرون، والوهابيون يخطبون، وما زال الكثير من خطب ودروس المساجد والزوايا فى مصر هى كتالوجات إرهابية وتكفيرية بامتياز، معالى الوزير الجليل آسف أن أقول لك لقد أخفقت سيادتك فى مشروع الخطبة الموحدة التى كانت ستقينا الكثير من تلك الشرور، معالى الوزير الجليل لقد أخفقت أيضاً فى إنهاء غابة مكبرات الصوت واقتحامها كل البيوت ومنع اختلاط القراءات والخطب ومعها جلجلة وصراخ الاتهامات التى تكال لإخوتنا فى الوطن عبر تلك المكبرات، فما المشكلة أن تستمع إلى اتهام جديد من تلك السيدة الفاضلة التى لم ترتكب جريمة فى ترديدها لما يقوله الكثيرون؟ هى من حقها التساؤل ومن حقك الرد والتفنيد، بل من واجبك الاستماع بصدر رحب ثم الرد والتفنيد والحوار، لكن هذا الإرهاب الفكرى فى قاعة المؤتمر هو مقدمة لإرهاب فكرى آخر خارج القاعة يتحول على أيدى من زيف وعيهم بين الجدران وأمام المنابر إلى إرهاب بالسلاح فى سيناء وغيرها!!، وإذا اعتبرتنى حضرتك من القلة المندسة فمرحباً، وهمسة فى أذن فضيلتك، على فكرة وبالمناسبة.. الأمم لا تتقدم إلا بهذه القلة المندسة!. تصحيح: فى مقال أمس عن الأمية المقدسة سقطت منى جملة أن «بيكون» رفض التخمين وفرض التجريب للوصول إلى الحقيقة، وأن «كوبرنيكوس» هو الذى صدمنا بأن الأرض ليست مركز الكون.