الوحدة والعزلة كارثة صحية أخطر من التدخين والبدانة!، صدمتنى تلك الجملة المكتوبة فى تقرير جريدة «الحياة» المهم المنشور فى صفحة المجتمع أمس، بدأت أوروبا تحس بتلك المأساة، ولذلك بادرت بعدة حلول، لكى تنقذ كبار السن، وربما بعض الشباب مما أطلقوا عليه «الوباء الخفى»، ولأننا نعانى من عصاب كراهية كبار السن ونعاملهم كخيل الحكومة، ونعتبرهم عبئاً على كاهل المجتمع لا بد من الإلقاء به فى البحر لإنقاذ المركب، حتى ولو كنا نحن الذين ثقبناه وضيّعنا المجداف والدفة!، لأننا كذلك فتلك ليست فى مؤخرة اهتماماتنا فحسب، بل هى قد سقطت من الذاكرة أصلاً، أنيميا الصداقة وهشاشة اللمة والصحبة والضمة ونقص الونس، أمراض تدب فى شرايين التواصل الإنسانى وتسده بكوليسترول الهجر والصمت والخرس، ماذا فعلت وتفعل أوروبا الآن، التقرير يقول إن الوحدة أو «الوباء الخفى» وفق توصيف «منظمة الصليب الأحمر»، باتت خطراً صحياً واجتماعياً وثقافياً يهدد القارة العجوز. إذ تكبر أوروبا فى السن وتكبر معها مشكلات مجتمعاتها. فالبالغون 60 سنة وأكثر ستتضاعف نسبتهم من 12 فى المائة 2015 إلى 22 فى المائة من تعداد السكان بحلول 2050، بدأت إنجلترا فى توفير أوتوبيسات مجانية مكتوب عليها رعاية المجتمع لنقل كبار السن إلى المنتجعات لكسر وحدتهم، والجدل دائر على تكلفة تلك الرعاية المجتمعية، فبعدما كان متوسّط كلفة برامج الرعاية الاجتماعية فى أوروبا نحو 10 فى المائة من إجمالى الناتج القومى، أصبح 21 فى المائة. وتنفق أوروبا اليوم على كبار السن، أكثر مما تنفق على صغار السن، ما يترتّب عليه تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، فى بريطانيا مثلاً، تقدّر السلطات أن «وباء العزلة» يكلف الدولة 6 آلاف جنيه استرلينى للفرد، هى تكاليف العناية الصحية والخدمات المحلية، مثل حافلات الرعاية المجتمعية، لكن على رغم هذه الكلفة، تشير دراسة لـ«مدرسة لندن للاقتصاد» إلى أنه فى مقابل كل جنيه تنفقه الدولة للوقاية من العزلة، توفّر 3 جنيهات يمكن أن تُنفق لاحقاً لعلاج آثارها الصحية والنفسية، فالوحدة تؤدّى إلى تدهور الحالة العقلية والجسدية، والموت المبكر، والخرف وضعف الذاكرة والاكتئاب وأمراض القلب والسكر، تخيلوا ماذا فعلت الحكومة البريطانية على سبيل المثال لتعرفوا مدى الاهتمام، أعلنت الحكومة البريطانية أن مكتب الإحصاءات الوطنية سيضع طريقة علمية لـ«قياس» الشعور بالوحدة، وذلك بعدما أنشأ صندوقاً للمساعدة فى معالجة المشكلة، وتعيين وزيرة دولة مسئولة عن شئون الوحدة والعزلة، تراسى كراوتش، من أجل تطوير استراتيجية قومية للتصدى لهذه الظاهرة المتنامية فى أوروبا، لتصبح بريطانيا أول دولة أوروبية تعيّن وزيرة مسئولة عن العزلة، يقدم التقرير أرقاماً مفزعة فيقول إن الوحدة كظاهرة متعددة الجوانب والتبعات يعانى منها نحو 9 ملايين شخص فى بريطانيا وحدها، أى نحو 10 فى المائة من السكان، بينهم 1.2 مليون نسمة يعانون من «وحدة مرضية مزمنة» تؤدّى إلى زيادة الضغط على المستشفيات وخدمات الرعاية الاجتماعية، وتختلف أعمارهم وأوضاعهم الاجتماعية وانتماءاتهم الطبقية والظروف التى تسهم فى معاناتهم، فنحو 51 فى المائة ممن تجاوزت أعمارهم الـ70 سنة يقولون إنهم يعانون من وحدة دائمة. ويكشف غالبيتهم أنهم يمضون أسابيع دون التحدّث إلى أحد، أو أى تواصل اجتماعى من أى نوع، كما أن نحو 30 فى المائة من الأمهات الجدد، يقلن إنهن يشعرن بوحدة قاتلة. و8 أشخاص من كل 10 من الذين يرعون مريضاً يقولون إنهم يعانون من الوحدة، للأسف الجدران المصمتة لا ترق ولا تستمع للوحيد، الوحدة معاناة فهل تسقط جدران قلوبنا الخرسانية ونرمم جراح أكبر قبيلة ممن يسكنون أوسع جزيرة فى مصر.. جزيرة الوحدة؟!.