استغلالاً لمعرض الكتاب، وانتهازاً لفرصة هذه الفترة الذهبية لعرض وقراءة المزيد من الكتب، سأظل أشارككم الاقتراحات التى بدأتها منذ عدة أيام وأقدم بعض الاختيارات فى مساحة مقالى المتواضع حتى نهاية المعرض. اليوم قراءة لكتاب مهم يلقى الضوء على أصل الصراع الدينى والتناحر العقائدى الملتهب فى عالمنا الإسلامى اليوم، الكتاب هو «إقصاء الآخر.. قراءة فى فكر أهل السنة» الصادر عن دار مصر العربية للنشر، والمؤلف هو د. أحمد سالم، أستاذ الفلسفة بآداب طنطا، والذى قدم دراسة وافية دقيقة برغم صغر حجم الكتاب، عرضها بأسلوب سلس وبسيط برغم صعوبة الموضوع. القضية شائكة، لكن المؤلف تصدى لها بجسارة وبطريقة أستاذ يلخص لقارئه ويسهّل عليه الغامض والملتبس فيلخص له نقاطه المهمة فى نهاية كل فصل، يجيب د. أحمد سالم فى النصف الأول من الكتاب عن ثلاثة أسئلة، كيف تمت صناعة الإقصاء عند أهل السنة؟ ما هى الآلية والطرق والوسائل الإقصائية؟ وأخيراً كيف تحول هذا الإقصاء الفكرى إلى عنف ودم على الأرض؟ أما كيف تم الإقصاء، فقد تم بحديث الفرقة الناجية الذى تم استخدامه لنفى كل اجتهاد مغاير، اختلفت صيغ الحديث فقط فى عدد الفرق المتفرقة هل هى إحدى وسبعون أم اثنتان وسبعون أم ثلاث وسبعون، وبالطبع الكل هالك فى النار ما عدا الفرقة الناجية، وكان هذا الحديث هو إحدى الأدوات التى استخدمها بنو أمية فى مقاومة المعارضة، أما الآلية فقد كان فيها من التشهير والسباب وتسفيه الآخر واغتياله معنوياً ما يتعارض مع أبسط معانى الإيمان والسلام النفسى، فنجد فى كتب «الملل والنحل» أن الشيعة الرافضة فيهم «اللواط والحمق والزنا وشرب الخمر والزور وكل قاذورة وليس لهم شريعة ولا دين»، أما المعتزلة فيصفهم «الشهرستانى» بأنهم «مخانيث الخوارج»، ويسخر «البغدادى» من زعيمهم «واصل بن عطاء» ويصفه بالألثغ (عيب فى نطق حرف الراء)، ثم ينتقل إلى إبراهيم النظام قائلاً: «إنه أفسق خلق الله، يغدو على سكر ويروح على سكر»، أما الجاحظ المعتزلى أعظم من كتب النثر فسخروا من شكله ووصفوه باللص! بالطبع تأتى آلية التكفير لتكمل دائرة الاغتيال المعنوى الجهنمية حتى نصل إلى أن تكفير الآخر واجب! كما يقول البغدادى فى «أصول الدين»: «تكفير كل زعيم من زعماء المعتزلة واجب من جميع الوجوه»! أما تسييس الدين وتحويل الإقصاء من عبارات داخل مجلدات إلى رقاب تُذبح وأعضاء تُبتر ودماء تُنزف وبطون تُبقر فهذه هى الكارثة التى لا بد من قراءتها الآن واستيعاب كيف أن فكرة الإقصاء هى أصل الإرهاب، يحكى المؤلف قصص الرعب وذبح الآخر المعارض السياسى بادعاء أنه كافر وملحد، والحقيقة أن الذبح هو نتاج خلاف سياسى، السبب الحقيقى فى قتل غيلان الدمشقى ليس معتقده الدينى ولكن لأنه قال إن الإمامة والخلافة تجوز فى غير قريش، وجهم بن صفوان قُتل أيضاً لأنه خرج على السلطان، والجعد بن درهم إياك أن تتخيل أن خالد القسرى أمر بذبحه فى عيد الأضحى على منبر المسجد لأن قلبه الرقيق لم يحتمل فلسفة الجعد حول قضية تكليم موسى! ولكن الحقيقة أنه قد خرج على بنى أمية فاستحق الذبح القسرى! الجزء الثانى من الكتاب يعرض السبب الحقيقى فى غياب الحيوية عن الفكر الإسلامى بعد أن تم إقصاء الفلسفة جانباً، قدم د. أحمد سالم دراسة تطبيقية فى غاية الأهمية عن تكفير ابن تيمية للفلسفة اليونانية ثم عروجه ومدّ الخط لتكفير فلاسفة المسلمين مثل ابن سينا والفارابى، إنه إقصاء خطر التفكير بسلاح التكفير. الكتاب مرآة كاشفة لعوراتنا الفكرية ويستحق الاقتناء والمناقشة والتحليل.