«لماذا يظهر إيمانكم فى عدائكم للآخر المختلف وليس من خلال ممارستكم الفضيلة؟» قالها الفيلسوف الهولندى المتمرد «اسبينوزا» فى القرن السابع عشر وما زالت صالحة لوصف حالنا حتى هذه اللحظة، كان «سبينوزا» يصف بها حال التعصب الطائفى المذهبى داخل الدين الواحد هناك فى هولندا، حيث كانت مشاحنات المذاهب ما بين بروتستانت وكاثوليك وانقسمت الانقسامات إلى كالفينى وغير كالفينى.. إلخ، بنظرة وتحليل الفيلسوف تساءل العقل الجبار «اسبينوزا»: هل ما يحدث من صراعات مذهبية فى أوروبا هو وجه أخلاقى للدين؟، هل هو ما يرجونه ويأمله الدين؟، ونحن بدورنا فى العالم العربى والشرق الأوسط نسأل نفس السؤال، ولكن المهزلة أن أوروبا قد توصلت إلى الإجابة منذ قرون ونحن ما زلنا متخبطين فى تلك الدائرة الجهنمية، مصرين على إظهار إيماننا بمعاداة الآخر لا بممارسة الفضيلة، بحشر أنوفنا فى عقيدة الآخر المختلف ومراقبة سلوكياته وانتقادها والتربص به وعَدّ أنفاسه، يتملكنا شعور هستيرى ورغبة جنونية فى فناء الآخر من الوجود لكى نستطيع الحياة!!، ما علاقة هذا بذاك؟، لا يستطيع أحد أن يمنحك إجابة منطقية واضحة، إنه شعور كراهية فقط يرضعه الفرد بمجرد قطع حبله السرى، الإجابة الجاهزة عندما يقرأ المواطن المعلب التفكير، حين يقرأ لمفكر ينتقد التراث أو تشويهات بعض الدعاة للدين، أو تفسيرات مغلوطة أو تجاوزات لا علمية أو أكاذيب تاريخية.. إلخ، رد الفعل على الدوام هو سؤال «لماذا لا تهاجم المسيحيين والمسيحية؟!»، فوراً تقفز إلى ذهنى نكتة الزوج الذى يخبره الناس بأن زوجته تخونه فيكون رده «وماله ما هو زوجة جارى بتخونه»!!، والسؤال لصاحب الفكر المعلب المقولب المحنط: هب أننا صرخنا فى صوت واحد جميعاً كمسلمين: يا خلق يا هوه اليهودية والمسيحية والبوذية والهندوسية.. إلخ وحشين وكخة كما تريد سيادتك وتتمنى، هل هذا سيصلح من تراثك وينقى إسلامك من أدران التفكير السلفى الوهابى وسيجعلك فوراً تحتل المرتبة الأولى فى النمو الاقتصادى وتصير السويد فى لحظة؟!، ما تتخيله أنت الحق المطلق هو مجرد صدفة جغرافية وتاريخية وبيولوجية حدثت لحضرتك وتحققت لسيادتك، صدفة جغرافية أنك لم تولد فى الإسكيمو أو على جبال التبت وولدت فى منطقة يسكنها مسلمون!!، صدفة تاريخية أنك لم تولد فى القرن الأول قبل الميلاد بجوار معبد الفرعون فلان حتب أو علان رع وولدت وسط شعب متدين بطبعه!، وصدفة بيولوجية أن حضرتك وسيادتك وجلالتك وفضيلتك نتاج لقاء حيوان منوى تم تصنيعه فى خصية أب اسمه عبدالرحمن أو عبدالقيوم وليس ياكوف بنيامين حنانيا، وبالمصادفة البحتة لقح بويضة أم لم تدوَّن فى شهادة الميلاد باسم مارجريت أو ماتيلدا أو صونج بنج سونج أو حتى جولدا مائير!!، فأرجو أن يهدئ كل منا من روعه ولا يأخذه الغرور وتتملكه الثقة من أنه احتكر الحق المطلق لمجرد أن تلك الصدف الثلاث قد اجتمعت له، وأرجو ألا يحتقر الآخر المختلف لمجرد اختلاف بشرة أو عرق أو مذهب أو جنس، واجعل أمامك العقل فى الكتيبة الخرساء وترحم على «أبى العلاء» الذى كسر غرورك بتذكيرك أن أديم الأرض من هذه الأجساد، وأنا أظن مثله أن أديم تلك الأطلال من هذه الأفكار!!.