ظل الأوروبيون مقتنعين تمام الاقتناع بما يشبه الإيمان الدينى بأن عدد أسنان المرأة أقل من عدد أسنان الرجل، ولم يفكر أحدهم ولو للحظة أن يفتح فم زوجته ليعد أسنانها خوفاً من اتهامه بأنه يُكذّب أرسطو، فقد كان أرسطو لمدة تزيد على عشرة قرون هو مصدر المعرفة الذى لا يخطئ، هو المعلم الأول الذى لا يأتيه الباطل أبداً!! هو بالفعل كان أعظم معلمى التاريخ وفلاسفته، ولكن من سخريات القدر أن يكون رسول العقل هو السبب الرئيسى لاغتيال العقل الأوروبى الذى عاش كل هذه القرون ينقل عن أرسطو بدون أدنى اعتراض، فأى اعتراض هو بمثابة تجديف وكفر وزندقة وإنكار لما هو معلوم ومصدق وصح بالضرورة!! كان أرسطو هو الرمز، وكان لا بد من كسر هذا الرمز وانتقاده، بل وإهانته أحياناً، لكى تتقدم أوروبا، فالعالم «روجر بيكون» يقول: «لو أننى كنت حر الاختيار لأحرقت جميع كتب أرسطو لأن دراستها تؤدى إلى ضياع الوقت ولا تورّث غير الخطأ والجهل». لو كان «بيكون» يعيش بيننا اليوم فى زمن قانون تجريم انتقاد وإهانة الرموز لكان قد تم سجنه سبع سنوات وتغريمه مليون جنيه طبقاً لقانون لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب المصرى!! إليكم بعض خطايا وأخطاء أرسطو الرمز العظيم التى لو لم يُنتقد عليها ويهاجم بشدة لكنا قد ظللنا فى زمن الظلمات حتى الآن، فى علم الفلك اعتقد أرسطو أن «العناصر» -يقصد الأجرام السماوية- تسير فى حركة دائرية، فالدائرة عنده هى جسم كامل الصورة، ولذلك يبدو أنها الحركة الصحيحة للعنصر الكامل، ولكن «كبلر» أثبت فى عام 1609 خطأ هذا الاعتقاد، فالكواكب تتحرك فى مدارات أهليلجية وليست دائرية، ومن سقطاته فى علم الطبيعة أنه قد عُرف منذ عصر جاليليو أنه بغضّ النظر عن مقاومة الهواء، فإن الأجسام الخفيفة والثقيلة تسقط بنفس السرعة. ولكن أرسطو على العكس كان يرى -منطقياً- أن الجسم الثقيل يسقط أولاً قبل الجسم الخفيف، وكذلك تشكيكه فى طبيعة المادة الذرية لأنه استبعد إمكانية وجود فراغ بين الجزيئات، ولكن تجربة بسيطة كان يمكن أن تُبيّن له خطأه، خذ مخباراً مدرجاً واملأهُ بالماء إلى مستوى معين، ثم أضف إليه كمية من الملح ولاحظ أنه مهما كانت كمية الملح الذائب فإن حجم الماء لن يتغير. فهذه التجربة تُبيّن أن ذرّات الملح قد تداخلت بين جزيئات الماء، ومن سقطاته فى علم الكيمياء أنه رأى أن جميع المواد فى الكون تتألّف من عنصر واحد، ولكن تم الكشف عما يزيد على مائة عنصر حتى الآن، ومن سقطاته فى علم الحياة رأيه أن القلب مقر العقل وأن وظيفة المخ لا تعدو مجرد تبريد القلب وأن يمنع زيادة حرارته عن المطلوب، وهناك خطايا وسقطات أكثر وأكثر لا تنتقص من عظمة وعبقرية أرسطو، لكن فى نفس الوقت لا يوجد شىء اسمه رمز لا يُنتقد بل ولا يُنتقد بشدة وبعنف أيضاً، دافع عنه أنت بعنف أيضاً ولكن لا تمنع أو تكبت أو تقهر أو تسجن من انتقده أو حتى أهانه، فالأمم لم تتقدم إلا عندما ألقت عن كاهلها تقديس تلك الرموز والتعامل مع أفكارهم على أنها غير مقدسة أو محصنة.