عندما أطلب أن يكون شعار وموضوع مؤتمر الشباب المقبل ما هو العلم؟!، وكيف نفكر بمنهج علمى؟، سيعترض البعض ويشمأنطون قائلين «هو إحنا لسه مش عارفين يعنى إيه علم، ما كلنا عارفين يعنى إيه علم؟»، الحقيقة ما حدث من الشاب الذى وقف ليتحدث بحماس عن اختراعه لعلاج الفشل الكلوى فى مصر واللغط والجدل الذى دار حول ما أعلنه، واعتراض البعض على انتقاده من باب «اترك الشباب وشجعهم بدلاً من إحباطهم، ما يمكن اكتشافه يبقى صح».. إلى آخر هذا الكلام، كل هذا يدل على غياب العقلية العلمية عن المجتمع بل وغياب معنى العلم ذاته عن الجميع بمن فيهم للأسف عدد كبير ممن المفروض فيهم أنهم علماء وأساتذة جامعة، المهم قبل أن نناقش الإحباط من عدمه وتشجيع الشباب على الاكتشاف، هو أن يكون اكتشافاً علمياً من الأصل، فالاكتشاف أو العلاج أو الدواء له أصول علمية، ذهب زمن الافتكاسة والوحى والفهلوة فى العلم وخاصة الطب، وليس مقبولاً أبداً أن يخرج شاب ليقول أنا اكتشفت علاجاً أو دواء بدون مستندات، فقبل أن يفتح أى إنسان فمه لا بد أن يقدم مستنداته على طاولة النقاش، المجلة العلمية المحكمة التى نشرت البحث، المؤتمر العلمى الذى ناقشه وعرضه، هذه هى الأسئلة التى كان يجب أن توجه، وعدم توجيهها يعبر عن أن هناك خللاً ما فى فهمنا لمعانٍ مثل العلم والاكتشاف والدواء والملاحظة والتجريب والإحصاء والمقارنة.. إلخ، ما حدث ويحدث من عرض اكتشافات طبية كل يوم فى الصحافة والإعلام لشباب فى ثانوى أو كليات تجارة يقابلهم المحافظ، ويكرمهم رئيس المجلس المحلى صارت مهزلة، ولا ينبغى أن نترك شبابنا بدون معرفة أسس المنهج العلمى فى التفكير، لا بد أن يكون مؤتمر الشباب المقبل حول تلك القضية بالتحديد، المنهج العلمى ليس حكراً على أستاذ الجامعة، البقال من الممكن أن يفكر بمنهج علمى وصاحب الدكتوراه يفكر بمنهج خرافى لا علمى، ويذهب إلى حفلة زار بعد خروجه من المعمل!، لا بد أن يعرف الشباب خطوات المنهج العلمى بداية من الملاحظة وحتى التجريب، لا بد أن يدرس ما هى الأسباب التى جعلت تلك البلاد المتقدمة تصل إلى هذا المستوى ونحن ما زلنا فى المؤخرة؟!، بالطبع ما نريد معرفته هو الأسباب الفكرية الأهم من الاقتصادية، لو كان هذا الشاب الذى يدعى أنه اخترع واكتشف علاجاً للكلى قد تعلم ما هو المنهج العلمى ما كان قد تجرأ وتحدث بثقة عن اختراعه، والأخطر هم من يدافعون عنه على وسائل التواصل الاجتماعى وتمنياتهم بالتوفيق لاجتهاده، يا جماعة الطب لم يعد عطارة أو اجتهاداً أو فهلوة أو حسن نية، لقد صار الطب القائم على الدليل والمبنى على تجارب معملية وسريرية، وقبل التجارب على الإنسان هناك تجارب على الحيوان، لم تعد عافية أو فرد عضلات وأنا جدع.. إلخ، إنها روح الفريق والبناء على ما سبق والانتساب إلى العالم كباحث وليس إلى بلدك أو جامعتك فقط، أنت فى العلم global citizen مواطن عالمى كونى لا بد أن تشتبك مع العالم، العلم هو الوحيد الذى يحقق مصداقية هذا المنتدى الشبابى العظيم، إنه اللغة التى تجمع العالم وتجعله ينظر إلى المستقبل.