لم يحرّم القرآن الفن التشكيلى بنص صريح، ولكن التحريم جاء عبر أحاديث نبوية واضحة وصريحة هى: - «من صور صورة فى الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ». - «كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه فى جهنم». - «إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة». - «إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون». وظل الفنانون المسلمون يعيشون أسرى صراع حاد ما بين التزامهم الدينى ورغبتهم الفنية، فآثر معظمهم السلامة وانحصر إبداعهم فى فنون الخط العربى والزخرفة الهندسية والتوريقية والمنمنمات وغيرها مما يحميهم من مظنة التجسيم وتهمة محاكاة الرب.. ونصل إلى بيت القصيد فى هذه المقالة وهو الإجابة عن هذا السؤال: ما هو المنهج الذى تعاملنا به مع هذه المسألة بعد أن أصبح للفن التشكيلى كليات ومدارس ومناهج تدرس ومعارض تقام ووزير فنان تشكيلى تحمل مسئولية الثقافة لمدة ٢٤ سنة؟.. وبالطبع لا أقصد بالمنهج كلام الجماعات المتعصبة أو حتى رجال الأزهر، ولكنى أقصد من تصدى من المثقفين المستنيرين لمناقشة هذه المشكلة وفك هذا الاشتباك المحتدم، فقد حاول البعض منهم تعليل كراهية الإسلام للتشخيص بأن الفنان المسلم رأى أنه «مهما حاول أن يصور الطبيعة فلن يبلغ مبلغ الكمال الذى يكون عليه صنع الله تعالى» (د. أميرة مطر كتاب فلسفة الجمال ص 51)، وهذا تبرير لو أصاب لتوقف كل الإبداع فنياً كان أو علمياً فستتوقف صناعة الطائرات لأنها لن تستطيع أن تحاكى قدرة النسور، والكمبيوتر لأنه لن يصل إلى مستوى المخ البشرى، فالفن ليس محاولة لتنصيب الفنان بدرجة إله، وإنما هو محاولة لتنصيبه ضمير عصره. وحاول آخرون أن يجدو مبرراً آخر فلجأوا إلى حيلة أخرى وهى محاولة إثبات أن الفنان المسلم قد سبق عصره، فهو قد سبق الغرب فى التجريد الذى يقود قاطرة الفن التشكيلى العالمى حالياً، فتقول الدكتورة وفاء إبراهيم فى كتابها «فلسفة فن التصوير الإسلامى» ص 46، الذى صدر فى سلسلة المواجهة: «مفهوم الجمال الإسلامى يتحدد فى تدريب الذات الإنسانية على الانتقال من المحسوس إلى المجرد، ومن التعدد إلى الوحدة، ومن المتناهى إلى اللامتناهى، ومن الجميل إلى الجليل»، وكأن هناك تعارضاً ما بين الجميل والجليل، ونود أن نلفت النظر أولاً إلى أن الفنان المسلم لم يكن أول من لجأ إلى التجريد، ونرجو النظر إلى محاورة فيليبوس لأفلاطون، وثانياً إلى أن الفنان المسلم وقتها لم يختر التجريد ولكنه أُجبر عليه، وثالثاً أن الفنان الغربى التجريدى لا يعنى اختياره للتجريد أنه يكره التشخيص من منطلق أخلاقى فنى بحت ولكنه اختار من منطلق فنى بحت، وهو أنه بالتجريد يعبر عن نفسه بصدق أكثر، بدليل أن معظمهم قد بدأ برسوم تشخيصية، بل إن بعضهم كان يعود بين حين وآخر إلى رسوم تشخيصية وكلنا لا ننسى خزفيات بيكاسو وتمثاله الشهير للحمامة. ونأتى إلى آخر المحاولات التوفيقية لعقد الصلح ما بين المقدس والجميل وهى أن التصوير المنهى عنه هو الصارف عن العبادة والداعى إلى الشرك، مع أن الحديث يقول «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تصاوير» وليس مسجداً فيه تصاوير. هذا الرأى ردده ثروت عكاشة فى المجلد السادس من عالم الفكر، ومحمد عمارة فى كتابه عن الإسلام والفنون الجميلة. وتكتمل المحاولة بالتنقيب فى اللغة، فيقول محمد عمارة: إن الصورة فى الأحاديث معناها التمثال وليس اللوحة (محمد عمارة الكتاب السابق ص 119)، هذا بالرغم من وجود حديث يأمر فيه الرسول، عليه الصلاة والسلام، ويقول: «أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع لها وثناً إلا كسره، ولا قبراً إلا سواه، ولا صورة إلا لطخها»، أى إن الوثن أو التمثال شىء والصورة شىء آخر.. وأعيت البعض الحيل فاختاروا بعض المواقف لتوضيح تراجع حدث من النبى هنا أو موافقة هناك مثل موافقة النبى على الاتكاء على وسادة بها رسم أو أن يترك السيدة عائشة تلعب بالدمية إلى آخره، لكن هل هذا المنهج هو الحل؟!.