هل التمثال هو الصنم؟ وهل اللوحة هى محاكاة لفعل الرب؟ هل تماثيل مايكل أنجلو ورودان حرام، وهل لوحات فان جوخ ورمبرانت رجس من عمل الشيطان؟ ألف هل وهل تفرض نفسها علينا ونحن نناقش علاقة الإسلام بالفنون التشكيلية، وقبل أن نناقش هذه العلاقة الخاصة يجب علينا أن نتعرض لما هو أعم وأشمل، ألا وهو علاقة الدين بالفن أو بلغة أخرى الصراع بين المقدس والجميل. الصراع قديم، وبدايته ليست مع ظهور الدين الإسلامى، ولكن الأديان الأخرى السابقة على الإسلام قد عاشت نفس العلاقة التصادمية مع الفن التشكيلى، وقد لاحظ «هيجل» هذا التحفظ حيال الفن الذى غلّف الفكر اللاهوتى (مؤلفات هيجل، المجلد 12، ص 107)، ولتعرف كم هى قديمة تلك العلاقة يكفى أن تقرأ العهد القديم إصحاح 20 الذى يقول: «ملعون الإنسان الذى يصنع تمثالاً منحوتاً أو مسبوكاً». وإذا كانت الجماعات الإسلامية المتزمتة هنا تهاجم الفن التشكيلى وتحرمه، فبقراءة سريعة لأشباههم فى الفكر اليهودى جماعة «شهود يهوه» فى طبعة كتابها سنة 1956 نجدهم يقفون فى نفس المعسكر الرجعى ويقولون: «اعلم أن كل الجمال الأرضى من رقص ومسارح وفنون تشكيلية كلها عبارة عن أصباغ تجميلية لقذارات الدنيا، وغوص حقير فى مستنقع الدنيا الآسن، ولقد علم هؤلاء العفاريت (أى الفنانون) الناس نحت الأصنام من الأشجار والأحجار والمعادن بغية الافتتان والإعجاب بها». وقد استمرت الكنيسة تناصب نفس العداء وتستمر فى نفس الصراع مع الفن والفنانين التشكيليين، فقد رفضت الكنيسة لعدة قرون تقبُّل هذا الفن باعتباره شكلاً من أشكال التعبير الإنسانى أو مصدراً من مصادر الاستمتاع بالجمال، وعندما تم الصلح تم على أساس أن الفن خادم للدين وأداة من أدوات البروباجندا الكهنوتية، فهذا هو الفنان الإسبانى «جريكو» يخوض صراعاً مريراً مع الكهنة ومحاكم التفتيش، وها هو القديس برنار يحرم الزخارف المعمارية والتصاوير الجدارية لأنها تصرف المصلين وتلهيهم عن الاستغراق فى صلاتهم، وها هو النحات الإيطالى جاكومو مانسو الذى زخرف كاتدرائية القديس بطرس فى روما يحاكم لأنه ابتعد عن الموضوع المتفق عليه مع المجلس الكهنوتى وهو موضوع تمجيد القديسين والشهداء وإضفاء مسحة واقعية عليهم.. وإذا كان الفنان الغربى قد حسم هذا الصراع بانتصاره لفنه الذى لا يعنى فى نفس الوقت إنكاره لدينه، فهو قد وصل إلى قناعة بأن لغة الفن مختلفة عن لغة الدين فدخل الإغريقى الفن محباً للحياة لا خائفاً منها كإنسان الكهف، ونحت الأجساد حباً للجمال، واقتنص التأثيرى الضوء رغبة فى اصطياد المستحيل، ورصد التعبيرى الإحساس وصولاً للجوهر.. وتمرد السريالى حلماً بالحرية، وانطلق التجريدى أملاً فى أبجدية مغايرة لكل ما هو مألوف.. فماذا عن الفنان المسلم، هل استطاع أن يفعل كل هذا دون إحساس بالذنب؟ لكى نحصل على الإجابة نعود إلى أصل الحكاية.