إذا كان وزير الإعلام يتحدث عن الريادة فأظن أنه من العيب الشديد والخطأ الفادح والقصور الفاضح أن يخلو تليفزيون مصر من قناة للأفلام الوثائقية والتسجيلية، ونغمة الدفاع بأننا نعرض أفلاماً وثائقية فى بعض الأوقات متناثرة على بعض الشاشات نغمة لم تعد تقنع طفلاً، فبقرة الإعلانات المقدسة التى تُقدم إليها كل القرابين وتُفتح لها كل الأبواب ويُنتج تحت عباءتها كل البرامج السخيفة والساذجة التى يطلقون عليها برامج المنوعات والمسابقات فى التليفزيون المصرى، هذه البقرة المقدسة لا تعرف شيئاً اسمه الأفلام التسجيلية أو الوثائقية ولا تعترف بها، لأنها برامج «فقرية» من وجهة نظر التليفزيون لا تحصد إعلانات أو رعاة. قناة الجزيرة أيقنت مبكراً أن القناة الوثائقية لا غنى عنها لمن يريد إعلاماً تثقيفياً لا تسطيحياً، قناة أبوظبى عندما عرَّبت «ناشيونال جيوجرافيك» كقناة مستقلة كانت تعرف أن مردود القنوات الوثائقية حتى ولو كان أقل من قنوات الأغانى والرياضة إلا أن مردوده وحصاده على المدى الطويل أكثر ثراء وأعظم نفعاً. القنوات الوثائقية صارت زاداً ثقافياً لا يشبع منه المتعطشون للمعرفة والعلم، حتى الشبكات الخاصة التى تهدف إلى تعويض استثماراتها وتنمية مكاسبها بدأت فى الاهتمام بهذه النوعية من القنوات، فأغلى باقة من باقات الـ«أوربيت» والـ«شوتايم» هى التى تحتوى على قنوات ديسكفرى وناشيونال جيوجرافيك وأنيمال بلانيت.. إلخ.

وهذا يعنى أنها أكثر القنوات تشويقاً وإمتاعاً.. هذا السلوك من جانب القنوات الخاصة أثبت أن القنوات الوثائقية تكسب والأفلام الوثائقية والتسجيلية تربح لو صُنعت بذكاء وحرفية.. انتهت خرافة أن هذه الأفلام خاسرة ولا تجذب أحداً من المتفرجين، فالفيلم الوثائقى لا يعنى على الإطلاق التجهم والغلاسة وثقل الدم، من الممكن أن تصنع فيلماً من هذا النوع ويكون فيلماً مسلياً ممتعاً مشوقاً ومثيراً، تجتمع فيه كل مواصفات المنتج الفنى الجيد.

نحن فى شوق إلى مثل هذه النوعية منذ برامج مصطفى محمود وحامد جوهر، ولأن الساحة خالية والسوق متعطشة والشباب لا يجد هذه السلعة، فقد لجأ البعض إلى ترجمة بعض الأفلام ووضعها على اليوتيوب مثل شبكة أكاديمية التنوير، التى تعرض لسلسلة أفلام ممتعة على النت، أفلام عن داروين ونظرية النسبية وتطور العقل وتاريخ الحضارات واكتشاف المادة الوراثية وقصة الموسيقى والفن التشكيلى.. إلخ، منتهى المتعة والجمال والتميز.

أقول لوزير الإعلام إن شراء هذه الأفلام فى منتهى السهولة ولا يكلف شيئاً، وهناك قنوات معروفة مستعدة لإهدائها إن لزم الأمر.. هناك جيش جرار لديك من المترجمين الذين يعانون البطالة، كلفهم بترجمة هذه الأفلام، هناك شباب خريجو معهد سينما ينتظرون الإشارة بإخراج أفلام تسجيلية، اطلب منهم وشجعهم، هناك مثقفون شرفاء فى مصر مستعدون للإشراف على هذه القناة التى ستكون مشعلاً للتنوير فى زمن خفافيش الظلام، وضد زحف التصحر الفكرى الذى غيّب العقل المصرى.

قناة النيل الوثائقية ليست شياكة وترفاً بل هى ضرورة وحياة.