عندما تغتصب سلطة دينية الحكم وتعلن تطبيق الشريعة ستبحث فوراً عن التميز والتفرد فى قوانين سريعة التنفيذ ظاهرة المردود، فهذه الحكومة لو تحدثت عن الخطة والموازنة والتعليم وعلاج التضخم، ستصبح مثلها مثل أى حكومة علمانية أخرى، إذن الحل فى العقوبات السريعة بالجلد والرجم والبتر، التى تترجم، للأسف، على أنها هى الدين، وتكون النتيجة حصر الدين فى هذه المظاهر التى يدينها العالم ويتجاوزها الزمن بعد تغير مفهوم العقوبة وصدور مواثيق حقوق الإنسان، وهذا ما فعله نميرى فى السودان ثم تبعه الملا عمر فى أفغانستان.

المأساة ليست فيما فعله نميرى فقط، ولكنها فى رد فعل التيار الإسلامى بجميع أطيافه، بداية من شيوخ الأزهر، وانتهاء بالمرشد العام، مروراً بالمؤسسة الدينية الرسمية وبمن نطلق عليهم التيار المعتدل!! من يرد قراءة تفاصيل أكثر، فعليه الاطلاع على مقالات فرج فودة فى ذلك الوقت، فها هو المفتى الشيخ عبداللطيف حمزة يقول عن حكم نميرى بالشريعة: «إننا جميعاً فى مصر، شعباً وحكومة، نرحب كل الترحيب بتطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان الشقيق، ونحيى الزعيم المؤمن جعفر نميرى»، أما المرشد العام الأسبق للإخوان، عمر التلمسانى، فيقول: «إن هذه الخطوة الذكية لن تمر بهدوء أو فى صمت عند الذين لا يريدون أن يروا نور الإسلام مشرقاً على ربوعه، وعلى القائد الحصيف أن يحذرهم ويكبح جماحهم، وألا يفسح لهم فى غيهم بحجة حرية الرأى والكلمة، فالحرية تكون فيما يضعه البشر لأنفسهم، أما شرع الله فلا نقاش فيه»، وبالطبع سمع نميرى الكلام وأعدم محمود طه وغيّب السودانيين وخدرهم، فخرجوا فى مظاهرات بعد شنق هذا المفكر الإسلامى هاتفين «لا إله إلا الله.. حاكم مسلم يا نميرى».

قال الشيخ عبدالحميد كشك، محيياً ومشجعاً نميرى ومطمئناً له: «إن الحملة التى يتعرض لها الرئيس نميرى بسبب تطبيقه للشريعة الإسلامية قد تعرض لها من قبله سيد الأنبياء والمرسلين، وهل يضر السحاب نبح الكلاب؟»!!، اطمئن يا نميرى فقد تساوت الرؤوس وأصبح بداخلك قبس من النبوة منحه لك الشيخ كشك!، وقال الشيخ الغزالى: «تطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان كان إلهاماً جليلاً من الله للمسؤولين فى السودان، إنهم بهذا المسلك وقفوا أمام الغزو الثقافى، وأحبطوا محاولات استعمارية خبيثة، وأعتقد أن السودان لايهنأ بشىء كما يهنأ بهذه المرحلة النقية الطيبة، التى جعلته يتخلص من وباء الأحكام الوضعية»، وهنأه الشيخ صلاح أبوإسماعيل قائلاً: «نميرى أعز الله به الحق، وأيد به الإسلام.. إلخ».

المدهش هو احتفاء جريدة «اللواء الإسلامى» الناطق الدينى للحزب الوطنى!!، كان المانشيت فى هذه الجريدة كوميدياً لا يصدقه طفل: «المسيحيون فى السودان يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية»!!، وأسفل المانشيت كلمة للشيخ القرضاوى يقول فيها: «إن الرئيس السودانى يعمل على بناء الفرد الصالح، فهذا هو البناء الحقيقى، وهو حجر الأساس فى تطبيق الشريعة»، وشاركه الرأى الملاكم الأمريكى محمد على كلاى، الذى لا أعرف كيف اتصلت به الجريدة!!، المهم وصف كلاى السودان بأنها«نموذج فريد يجب أن يحتذى، لأن فيه خلاصاً للناس من التيه والشقاء»!، وأشك فى أن كلاى نفسه يعرف معنى كلمة التيه!

لو أراد الأعداء تشويه صورة الإسلام، لما نجحوا مثلما نجح نميرى والملا عمر وبن لادن والزرقاوى، ولكن المشكلة ليست فى هؤلاء القادة بقدر ما هى فى أتباع ومريدى هؤلاء القادة، ممن يخدرهم شعار تطبيق الشريعة.