التفت بعض نساء إنجلترا الأرستقراطيات المنتميات إلى العصر الفيكتورى المتحفظ المتزمت حول مؤلف أحد القواميس الإنجليزية ليقدمن له التحية على قاموسه المهم، الذى كان أعظم ما فيه من وجهة نظرهن هو عدم احتوائه على ألفاظ خادشة للحياء، كان رد المؤلف سريع البديهة: «من المؤكد أن أول ما بحثتن عنه فى القاموس هو الألفاظ الخارجة الخادشة للحياء»!

تشاجرت جارة مع جارها لأنه يمارس تمرينات الصباح عارياً ويخدش حياءها، رد عليها قائلاً: «كيف وأنا أمارسها فجراً مختبئاً خلف ستارة»!، ردت عليه الجارة: «أنا أصحو فجراً وأقف فوق الكرسى فأشاهدك مفضوحاً يا مجرم»!، تذكرت هذه القصص وتذكرت ازدواجيتنا المقيتة الكريهة وأنا أقرأ الكوميديا السوداء التى كتبتها إسعاد يونس بقلمها الساخر الرشيق، معلقة على قرار وزير التربية والتعليم إلغاء تدريس الجهاز التناسلى فى المرحلة الإعدادية.

تصادف فى أسبوعين متتاليين أن دُعيت إلى ندوتين، الأولى فى الهيئة الإنجيلية والثانية فى المجلس الأعلى للثقافة، كان الموضوع بالمصادفة مشتركاً، الثقافة الجنسية، كانت فرصة لمعرفة كم الخلط وسوء الفهم الذى أحاط بهذه الكلمة، وللحوار مع المعارضين الذين رأيت أكثرهم تزمتاً وتشدداً وانفعالاً هم للأسف من الشباب، وهذا يفتح قضية مهمة من الممكن مناقشتها فيما بعد، وهى أن التطرف والتزمت والانغلاق فى مصر يزداد كلما قل العمر على عكس الدول المتحضرة، التى تسكن الأفكار الرجعية فيها الشرايين المتصلبة بالكوليسترول عند الكهول!، فكثيراً ما تجد الجدة فى مصر سافرة الشعر والابنة محجبة أما الحفيدة فمنتقبة !، المهم أن معظم الاعتراضات انصبت على كيف نشرح الجِمَاع للأطفال الصغار الذين فى سن البراءة؟!، ولماذا لا نقتصر على الكتب الدينية وما فيها من معلومات للحصول على الثقافة الجنسية؟

بالطبع جاء هذا الفهم المغلوط للثقافة الجنسية من خلال الكتب الإباحية الصفراء المثيرة البعيدة عن أى منهج علمى فى تقديم المعلومة وأفلام البورنو، التى يُطلق عليها البعض ثقافة جنسية، والميديا والسينما المصرية التى تقدم الثقافة الجنسية على أنها تدريس الأوضاع الجنسية، مثلما حدث فى فيلم «التجربة الدنماركية»، علماء التربية الغربيون ليسوا مجانين لكى يدرّسوا لطفل فى سن السادسة أوضاعاً جنسية، وإنما هذا من نسج خيالنا المريض النرجسى، الذى يرى أن الفضيلة والأخلاق صناعة محلية، لأننا الأجدع والأكثر أخلاقاً وأدباً، المسألة مقننة، والتدريس له مراحله، التى تحترم كل سن وميوله وأفقه وماذا يجب أن يقدم إليه، وهناك سؤال مهم لهؤلاء المعارضين، ألم تسألوا أنفسكم وأنتم تكرمون أطفالاً فى سن السادسة أيضاً ممن حفظوا القرآن، كيف فهموا كلمات مثل المحيض والزنى والأرحام والفرج وأتوا حرثكم أنى شئتم والرفث ...إلخ، هل بذلتم أدنى جهد لإفهام هؤلاء معانى هذه الكلمات أم هم يحفظونها ويرددونها فقط كالببغاء؟ أليس هؤلاء أيضاً فى سن البراءة؟

أما مقولة «إن كتب الدين فيها الكفاية عن الثقافة الجنسية والجهاز التناسلى»، فهى مقولة مراوغة وغير حقيقية، والسؤال: لماذا لا نعرف التنفس والجهاز التنفسى من كتب الدين؟ لماذا لا نكتفى بهذه الكتب لدراسة الهضم والجهاز الهضمى؟ لماذا علم الصحة الجنسية مطارد منفى ومصدره فقط كتب الفقه، وعلم الجهاز الهضمى والدورى والتنفسى مرحب به ومصدره مراجع الطب؟!

الصحة الجنسية صارت علماً خرج من دائرة الهواة وكتب خليل حنا تادرس، إلى دائرة العلماء والمتخصصين وكتب ماسترز وجونسون وكابلان، ولا أنا ولا غيرى مطالب بأن يقتنع بأن دم الحيض لتغذية الجنين أو بأن أقصى مدة للحمل ثلاث سنوات، أو بمفاهيم ماء الرجل وماء المرأة!، هذه الأفكار نحترمها فى إطار زمانها واجتهادات أبناء عصرها وليس أكثر من ذلك، ولا يعنى هذا احتقاراً أو إهانة، ولكنها رؤية تحترم التاريخ وتطوره.