أقسى ما يؤلمنى ألا يقرأ أستاذى د. سمير حنا صادق هذا المقال لظروف مرضه الشديد، لن يصلنى صوته مشجعاً أو ناقداً، لن يعرف أننى أدين له ولأستاذى المرحوم د. أحمد مستجير بالكثير فى مجال فلسفة العلم والحرب ضد الخرافة، أو ما أطلق عليه د. سمير «العلم الزائف»، لن يعرف أننى اشتقت إلى بحة صوته المحببة فى الهاتف، لن يعرف أننى أطالب بتمثال من ذهب لتلك الزوجة المحترمة الشامخة التى تقف خلف هذا العالم الجليل فى محنته المرضية تسانده وتدعمه فى الظل، ترد دائماً على من يسأل عن صحته «الحمد لله زى الفل».

سأتوجه بالحديث إلى هيئة الكتاب، أطالبها بطبع الأعمال الكاملة لهذا المحارب العنيد والأستاذ المهموم بقضايا وطنه، لابد أن يقرأ الشباب عصر العلم ورحيق السنين ومكتبة الإسكندرية ورحلة سفينة بيجل التى حققت حلم داروين، لابد أن يقرأوا صرخاته ضد الدجل والخرافة، قدم الرجل عصارة فكره كأستاذ لعلم الباثولوجيا الإكلينيكية مغلفة برؤيته الاجتماعية والسياسية كرجل ليبرالى منفتح لا يعرف التعصب أو العنصرية، لابد أن نعرف جميعاً كم قاسى وعانى هذا الرجل، كم دفع من فواتير فى سبيل دفاعه عن الحقيقة العلمية والمنهج العلمى، الكتب العلمية نحن فى أمسّ الحاجة إليها، إن النفق المعتم الذى دخلنا فيه، والتغييب الذى تلبّس عقولنا، يحتاج منا إلى معركة، ويحتاج من مؤسساتنا الثقافية وعلى رأسها هيئة الكتاب طبع كتب علمية تنمّى الروح النقدية فى هذا الجيل الذى سلم الكثيرون منه أمخاخهم لخفافيش الظلام.

دعنا نقرأ بعض الاقتباسات من رحيق وعطر هذا الرجل الجميل، يقول د. سمير حنا:

* «لم يبق لنا من العمر ما يسمح بتأجيل المعارك إلى وقت مناسب وبتغليف القضايا بغلاف سكرى يساعد على تعاطيها، ولما كانت القضية تتعلق بمصرنا وبمصيرنا ومصير أبنائنا، فإن المجابهة قد أصبحت الطريقة الوحيدة لمواجهة ما تواجهه مصرنا الحبيبة، والقضية ببساطة هى أن العلم فى بلدنا مزدرى، وأننا رغم ما نزعمه أحيانا من تقدير للعلم فنحن كثيرا ما نقول (علم) ونحن نقصد (تكنولوجيا مستوردة)، بل نحن فى أغلب الوقت نقول (علم) ونحن نعنى (الخرافة)أو (الخرافة المعلمنة)، وقد استشرت الخرافة فى بلدنا واتسع نطاقها إلى أوسع مدى، فعلاوة على وجودها فى الفئات الأمية كمصدر سيئ للمعرفة، فإنها تنتشر بشكل أخطر بين الطبقات المتعلمة، ولعل أخطر أنواع الخرافة ما يتغلف بغطاء من العلم الزائف».

* أن يصل الأمر إلى أن تقدم عشرات من رسائل الماجستير والدكتوراة وأوراق الترقية فى اللجان الدائمة عن العسل الأبيض وحبة البركة، فهذه كارثة وهذا إفلاس وهذا كسل.

* تسهيل إجراءات عمليات نقل الأعضاء بكل الطرق هو إجراء يتطلبه الحرص على المرضى،‏ وفى تأجيل وضع قانون ينظم هذه الإجراءات قسوة بالغة‏،‏ بل إجرام فى حق هؤلاء المرضى‏،‏ ولن تكفى فى هذا المجال الدعوة إلى التبرع بالأعضاء كتابة قبل الموت‏، فقد فشلت هذه الدعوة عديدا من المرات،‏ إنما الواجب هو العكس ‏(‏كما يفعل أغلب بلاد العالم المتحضر‏)‏ باعتبار المتوفى فى ظروف معينة متبرعا ما لم يترك ما يدل على رفضه، وحتى بفرض تعارض هذه العملية مع بعض الاجتهادات فإن الضرورات تبيح المحظورات‏، ولكن أصحاب القلوب الغليظة لا يذكرون ذلك إلا عند ارتكابهم المحظورات‏.‏