كانت الكلمة الشهيرة «ذيع» فى برنامج الكاميرا الخفية هى جواز مرور إذاعة المقلب تليفزيونياً والسماح بظهور بطل المقلب المستفز فى شخصية مختلفة وحالة مغايرة لشخصيته وحالته الطبيعية، أما الآن فى عصر الموبايل فمن الممكن أن يتحدث إليك صحفى صغير ويسجل لك دون أن يخبرك بأنه يتنصت تليفونياً عليك، أنت تتكلم من باب الدردشة والرحرحة، التى لو حوسبنا عليها جميعاً لقبعنا كلنا جماعة فى ليمان طره!

أنت حينما تعرف أن حديثك للنشر تضبط بعض الكلمات وتفرمل بعض الأفكار، ليس من باب النفاق والتقية، ولكن من باب مسؤولية الكلمة التى تقال لشرائح مختلفة الفكر والثقافة والمستوى الاقتصادى، التى يجب أن «تفلتر» كلامك أمامهم، لأنهم ليسوا مثل صديقك الذى تتعرى أمامه وتفضفض، ولذلك يجب أن يخبرك الصحفى بأنه يسجل لك ولا يباغتك أو يضعك فى فخ، وبعدها يجب من باب المهنية والصدق والواجب أن يستأذنك، مثلما كان يستأذن إبراهيم نصر ضحاياه ويقول لك «نذيع»، ولك الحق فى أن توافق أو ترفض.

نحن استخدمنا الموبايل دون تعلم إتيكيت الموبايل، استوردناه ولم نستورد معه احترام الخصوصية وعدم الاقتحام والتطفل والفضول اللزج، نستخدمه لصنع المقالب ونسج الفضائح والتجريس، آخر ما نستفيد منه ونستعمله فيه هو الحوار المهم، لا تطلب به زوجة الإسعاف، ولكنها تطلب به وصفة طبيخ من الجارة أو ترن به على طفلها الذى يلعب فى الحجرة المجاورة!

لا يطلب فيه رجل حلاً لمصيبة طارئة بقدر ما يطلب فيه صديقه ليحكى له آخر نكتة أو يطلب منه حلاً لتلاتة أفقى فى مسابقة الكلمات المتقاطعة!

تجلس فى مطعم فتجد شخصاً يصورك أنت وعائلتك رغماً عن أنفك، أو تجلس على شاطئ فيفاجئك شاب بأنه يصور الشاطئ كله وبالطبع أنت وأصدقاؤك فوق البيعة، وكأنه مخرج تسجيلى يسجل لحظة انتفاضة الحجارة أو بركان فيزوف أو تدمير برج التجارة أو القبض على بن لادن!

الموبايل له إتيكيت نجهله ونتجاهله، استخدامنا العشوائى للموبايل يعكس عشوائيتنا السلوكية، رنة موبايل عالية مجعرة تصرخ ولا تنبه، مثلها مثل ميكروفونات الأفراح الصاخبة التى لا تعكس بهجة بقدر ما تعكس تمثيلاً وافتعالاً للبهجة، ومثل ميكروفونات الجوامع الزاعقة التى لا تعكس ايماناً بقدر ما تعكس تمثيل إيمان وتديناً شكلياً طقوسياً، حديث صارخ ورد حنجورى وكأن الشخص يعلن عن عيل تايه فى صحراء التيه، تجلس بجانب الذى يتحدث فى التليفون فيخرق أذنيك بصوته ويزعق فى الموبايل وكأنه يتحدث إلى أطرش!

أثناء محاضرة تتطلب تركيزاً تجد «الجيمز» اشتغلت، ونقل الرنات والأغانى والفيديوهات بالبلوتوث اجتهدت، واستعراضات الماركات انفلتت!!

إننا أكبر شعب فى الكون يصرف على الرنات وإعلانات النغمات، حتى الفتنة الطائفية استخدمنا الموبايل فيها، فنجد من يجاهد برنات الأدعية الإسلامية، ومن يلوذ ويحتمى بنغمات التراتيل الكنسية، نجد من خلفية موبايله فرقة طالبانية، وعلى الطرف الآخر من خلفيته كنيسة عمرانية!

هل نفعنا الموبايل أم فضحنا؟