من يرد الحفاظ على قدسية القرآن والدين، فلابد أن يستنكر هوجة الإعجاز العلمى ويطالب بإيقاف مهزلة لىّ عنق النصوص لصالح تفسيرات علمية بهلوانية لا تمت للنص المقدس بصلة من قريب أو بعيد، ابتغاء غسل أدمغة مخدرة ومغيبة أصلاً، مصابة بعقدة الاضطهاد والدونية من فرط التقدم العلمى الغربى، تريد التعلق بقشة طوق النجاة التى توهمها بأنها تمتلك ناصية العلم، لكنها راقدة مختبئة داخل منجم النصوص الدينية، تنتظر من يدرسها ليستخرج النظريات والمعادلات.. ومن يرد التقدم العلمى أيضاً، فلابد أن يقف الموقف نفسه.

المعنى نفسه، أيده شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت حين قال إن الإعجاز العلمى سيفسد علاقتنا بالقرآن، ويفضى بنا إلى «صور من التفكير لا يريدها القرآن ولا تتفق مع الغرض الذى من أجله أنزله الله»، ويصف موقف دعاة الإعجاز العلمى قائلاً: «إذا مرت بهم آية فيها ذكر للمطر أو وصف للسحاب أو حديث عن الرعد والبرق، تهللوا واستبشروا وقالوا: هذا هو القرآن يتحدث إلى العلماء الكونيين، ويصف لهم أحدث النظريات العلمية عن المطر والسحاب وكيف ينشأ وكيف تسوقه الرياح؟!، وإذا رأوا القرآن يذكر الجبال أو يتحدث عن النبات والحيوان وما خلق الله من شىء، قالوا هذا حديث القرآن عن علوم الطبيعة وأسرار الطبيعة... إلخ»، ويعطى الشيخ شلتوت بعض الأمثلة فيقول: «ومن عجيب ما رأينا من هذا النوع أن يفسر بعض الناظرين فى القرآن قوله تعالى (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين. يغشى الناس هذا عذاب أليم)، بما ظهر فى هذا العصر من الغازات السامة والغازات الخانقة التى أنتجها العقل البشرى، ويغفلون عن قوله تعالى (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون)»، روى الشيخ شلتوت رواية تبسط تفسير هذه الآية تماماً بمعناها المقصود عن ابن مسعود الذى قال: «إنما كان هذا لأن قريشاً استعصوا على النبى، فدعا عليهم بسنين كسنى يوسف، فأصابهم قحط حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد»!!!، يعنى المسألة ليست فيها غازات سامة أو نابالم أو قنابل مسيلة للدموع، المسألة أبسط من ذلك بكثير وقد قالها لكم ابن مسعود.

هاجم الشيخ شلتوت فى مثال آخر تفسير الشؤون الغيبية تفسيراً علمياً إعجازياً، مثل تفسيرهم للكتاب المبين الذى تحصى فيه الحسنات والسيئات بأنه التسجيل الهوائى للأصوات!، فيقولون إن العلم أظهر ذلك بالمخترعات البشرية واستخدمه الإنسان للأصوات، والله القادر خلق الكون على هذه السنن لغاية أسمى وهى محاسبة الناس يوم القيامة وعرض أعمالهم على شريط مسجل يضم جميع حركات الناس وسكناتهم!!

وقد جاء هذا الكلام الغريب فى تفسيراتهم لـ(فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى) و(كتاباً يلقاه منشوراً)، وصفهم الشيخ شلتوت بأنهم «يهجمون على الغيب بما لم يأذن به الله، ويجدون من العلماء من يؤيدهم ويشجعهم ويزكيهم ويتمنى أن يكثر الله من أمثالهم»! بالطبع سيرد الكثيرون من مؤيدى اتجاه الإعجاز العلمى قائلين: «وفيها إيه.. وإيه اللى مزعلكم إن كتابنا يبقى فيه معجزات علمية نغيظ بها الغرب الملحد؟!»، الرد عند الشيخ شلتوت الذى وضح جوانب الخطأ فى هذا الاتجاه للتفسير العلمى والإعجازى.