المتعصب مثل حدقة العين كلما سلطت عليها الضوء أكثر ضاقت أكثر وانغلقت أكثر وقاومت الرؤية والفتح والمعرفة أكثر وأكثر!، لذلك لا أتوجه بكلامى لهؤلاء المتعصبين، فهم حالة ميؤوس منها، إنما مَن أتوجه إليهم بالحديث هم حزب الصامتين الحائرين الواقفين على الشط لا يعرفون بأى قارب يبحرون وإلى أى اتجاه يسافرون، عندما كتبت عن رأى بنت الشاطئ فى الإعجاز العلمى، الذى يتاجر به البعض فى أكبر بيزنس دينى فى التاريخ، انبرت أقلام تهاجمنى، رغم أننى انزويت خلف قامة بنت الشاطئ العملاقة ولبست عباءتها المهيبة واقتبست عباراتها المفحمة، وتصورت أن تخصصها العميق سيخرس الألسنة ويوقف أسطوانة عدم التخصص المشروخة، والتى فندناها من قبل، والتى يريد البعض ترويجها لاحتكار الحقيقة وفرض الرأى وإجهاض الاجتهاد، لكن المدهش أن مَن هاجمنى اختار نقطة غاية فى الضعف والهشاشة، نقطة عبثية وكوميدية وهى أن بنت الشاطئ امرأة!!،

وبما أنها امرأة، فلتقل ما تقول، فهى بالتأكيد ناقصة عقل ودين حتى ولو كانت أستاذة تفسير يشار إليها بالبنان!، لن أناقش حجتهم الواهية، ولكنى سأستكمل المعركة هذه المرة بلسان رجل عظيم وشيخ جليل، كان شيخاً للأزهر من ١٩٥٨ إلى ١٩٦٣، أول من حمل لقب الإمام الأكبر، حمل لواء الإصلاح والاستنارة فى الأزهر، مات قبل الغزو الوهابى لأمخاخ بعض الأزهريين، الذين ابتلع ضجيج حناجرهم همس الاستنارة فى أروقة الأزهر الشريف حتى صار المفكر المستنير هناك مطارداً من لوبى الوهابية، منبوذاً من دعاة التزمت والانغلاق.

إنه الشيخ الجليل العظيم محمود شلتوت، الذى كتب مقدمة عبقرية لكتابه «تفسير القرآن العظيم»، الذى أرسله لى الصديق السيد منير محيسن، إنه الرجل الذى نبذ الفرقة بين المذاهب الإسلامية ووهب عمره لمهمة مواكبة الأزهر للعصر، وأصر فى مقدمة كتابه على أن نبعد القرآن عن ناحيتين، احتفاظاً بقدسيته وجلاله، الناحية الأولى استخدام القرآن لتأييد الخلافات المذهبية، والثانية ناحية استنباط العلوم الكونية والمعارف النظرية الحديثة منه.

يقول الشيخ شلتوت فى ص ١١: «طائفة المثقفين الذين أخذوا بطرف من العلم الحديث، وتلقنوا، أو تلقفوا شيئاً من النظريات العلمية والفلسفية والصحية وغيرها، أخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة ويفسرون آيات القرآن على مقتضاها، نظروا فى القرآن فوجدوا (ما فرطنا فى الكتاب من شىء)، فتأولوها على نحو زيّن لهم أن يفتحوا فى القرآن فتحاً جديداً، ففسروه على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية، وظنوا بذلك أنهم يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويدعون له أبلغ دعاية فى الأوساط العلمية والثقافية، نظروا فى القرآن على هذا الأساس، فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن».

لماذا أفسد التفسير العصرى والإعجاز العلمى علاقتنا بالقرآن؟، هذا هو ما سيجيب عنه شيخنا الجليل محمود شلتوت.