أحياناً تعجب بنصَّاب ضحك عليك وسرقك وباع لك العتبة والتروماى وعبأ لك الهواء والشمس فى زجاجات وتجرعت شربته التى تشفى جميع الأمراض من الزكام حتى السرطان، ورغم أنه نصاب، ورغم أنه تسبب فى خسارتك نقوداً أو ذهباً، فإنك لا تلعن سذاجتك وبراءتك بقدر ما تمدح ذكاءه وفهلوته، فطريقة النصب عليك كانت ذكية، وأجبرتك على الإعجاب بهذا النصاب المحترف وعقليته الجبارة، وجهده فى حبْك عملية النصب وشطارته فى نسج حكايات وهمية تنطلى عليك وتقنعك بأنها حقيقية وفى منتهى الصدق، وكذلك المزور، عندما تمسك بالعملة التى زورها وألبسك العمة عندما نفحك إياها واحتفيت بها واعتبرتها ثروة من دقة تزويره وحدة ذكائه وإتقانه ومهارته، أحياناً - بعد أن تلطم خدودك - تهمس قائلاً «بس الواد ده طلع ذكى وعبقرى»، وترضى بالمقسوم ودور الضحية المضحوك على ذقنه، ويقلل من إحباطك وغضبك أنك وقعت ضحية لنصاب أو مجرم أو مزور ذكى.

إذن لابد أن نتفق أن الذكاء حتى فى الشر مطلوب، وأن الشر لو كان معجوناً بمسحة غباء وعفونة وفتونة وبجاحة وفُجْر (بضم الفاء)، فإنه يكون شراً طعمه مر علقم لا يمر من ثقب إبرة ولا يستسيغه مَنْ تهضم معدته الزلط!

من زوَّر صندوقاً انتخابياً وسوَّد بطاقات وقفَّل لجاناً، مارس كل هذا دون أدنى ذكاء، لم يكلف نفسه أن يغلفه بـ«سيلوفان المهارة والحرفة والفهلوة والشطارة، بل كان يزور بكل «غشومية» ويسوّد بكل شفافية ووضوح ودون أن يفكر حتى فى أن يخفى جريمته ويُجمّلها حتى يقول الضحية المسلوبة إرادته «إنهم فعلاً أذكياء»، ويصرخ «مبروك عليهم، قرطسونى لكن بشياكة، وضربونى على قفايا لكنهم ضربونى بوردة وصفعونى بياسمينة وركلونى بشجرة عيد الميلاد!».

من زوَّر وزيَّف وسوَّد وبلطج لم يسأل نفسه سؤالاً بسيطاً جداً وسهلاً جداً ومشروعاً جداً: ماذا لو مرّرت وفوّت وزحلقت عشرين أو أربعين أو حتى خمسين معارضاً.. ألن يكتمل الديكور ويلتقط الناس الطعم وينطلى عليهم المشهد وتكتمل فصول المسرحية؟ حتى تزييف الوعى له قواعد ومعايير، حتى تزوير الإرادة له قانون وطرق، الذكاء مطلوب، حتى فى الجرائم الكبرى والخطايا الكارثية، جرائم روايات أجاثا كريستى وأفلام هيتشكوك ممتعة لأنها تحترم العقل وتنفذ بمنتهى الذكاء، أبطالها بهم وسامة وجمال وشياكة وليسوا مثل أشرار أفلامنا الدينية من كفار الجاهلية مرفوعى الحواجب صُلع الرؤوس سود البشرة مبحوحى الحناجر منفوخى الكروش، أما جرائم سيد أبوشفة وحسن عجورة وخليل المفش، فهى جرائم غبية بدائية تفوح جهلاً وتنضح تخلفاً.

إذا كنت شريراً فكن شريراً ذكياً حتى يقتنع الضحية ويسامح نفسه، ويغفر عبطه ويصفق لعبقريتك، بدلاً من أن ينفجر فى وجهك.