جمعت بنت الشاطئ، فى كتابها الذى ردت فيه على دعاة الإعجاز العلمى، أدلة متعددة على عوار المنهج الذى اتبعوه وفساد الاستدلال الذى صدروه للجمهور، الذى يصرخ إعجاباً مع كل مثال يقتبسه هؤلاء لإثبات الإعجاز العلمى، الكارثة هى أن القرآن نفسه لم يطلب منهم أن يبحثوا فيه عن إعجاز علمى، بل طلب منهم أن يسيروا فى مناكب الأرض، والرسول نفسه لم يشغل باله بالغوص فيما وراء النصوص من إشارات فيزيائية وكيميائية، بل طالب المسلمين بالعمل وطلب العلم، حتى الأمور الطبية أحالها للمتخصصين ولو كانوا أطباء يهوداً من ذوى الخبرة، لكن بيزنس العصر جعلهم يلوون عنق النص، ويشوهون اللغة العربية ويشقلبون معانيها ويستخلصون منها ما لا تقصده الكلمات.. كل هذا العبث من أجل غرض وقتى زائل سينسف الدين والعلم على السواء، يغازلون بسطاء الناس وعامة الجماهير وأنصاف المثقفين من أجل آهات إعجاب زائفة لا يمكن أن تزيل الغبار عن تخلفنا الحضارى.

فضحت المدرسة اللغوية والتفسير البيانى لبنت الشاطئ تلاميذ مدرسة الإعجاز العلمى والتفسير العصرى الذى يستخدم لغة الفيزياء والكيمياء لشرح كلمات كان يستعملها البدو منذ ألفى سنة بمعناها البسيط المباشر الذى كان يعبر عن روح هذا العصر، ولم يكن يدور فى خلدهم، إطلاقاً، أنه سيستخدم كمرادف وتفسير للضغط الأسموزى وحركة الإلكترون وتركيب الـ«دى إن إيه»، وكان أشهر هذه الأمثلة التى استخدمتها بنت الشاطئ وأكثرها إفحاماً هو مثال بيت العنكبوت الذى يستخدم لخداع السذج ممن يلتمسون الانتصار العلمى فى نص لا فى فعل، نص نزل أساساً للتعبد ومنح المؤمن المعانى الكبيرة لا التفاصيل الصغيرة التى تركها لنا القرآن ولعقلنا وتدبرنا.

يقول الإعجازيون عن تأنيث العنكبوت فى آية «مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً»، إنه إعجاز لأن العلم كشف مؤخراً أن أنثى العنكبوت هى التى تنسج البيت وليس الذكر، ولذلك قيل اتخذت وليس اتخذ!، وترد بنت الشاطئ, قائلة: «يعرف المبتدئون من طلاب العربية أن القرآن جرى هنا على لغة العرب الذين أنثوا لفظ العنكبوت من قديم جاهليتهم الوثنية، كما أنثوا مفرد النمل والنحل والدود فلم يقولوا فى الواحد منها إلا نملة أو نحلة أو دودة، وهو تأنيث لغوى لا علاقة له بالتأنيث البيولوجى كما يتوهم المفسر العصرى، وجرى لسانهم كذلك على تأنيث الشمس والأرض والدار والسوق، وكل ما يعرف فى المصطلح اللغوى بالتأنيث المجازى، دون أن يتصور من له أدنى اتصال بالعربية أن التأنيث هنا يحمل على التأنيث البيولوجى»!!، ثم استكملت استشهادها المفحم بآيات مثل «قالت نملة..» و«بعوضة فما فوقها»... إلخ، وقالت: «قبل هذه الآيات كان أى عربى وثنى من أجلاف البادية ينطق بها على التأنيث دون أى إشارة علمية إلى ما اكتشفه علماء البيولوجيا والحشرات»!!.

الأمثلة التى أوردتها بنت الشاطئ كثيرة ولكن هل ستقف مدرسة الإعجاز العلمى عن الاختراع والفبركة؟، وهل سيفهم هؤلاء أن عدم وجود الفيزياء والكيمياء فى القرآن ليس انتقاصاً من هذا الكتاب المعجز فى معانيه وبيانه؟، أعتقد أن المدرسة ستستقبل تلاميذ أكثر وأكثر طالما اتسعت الفجوة بيننا وبين الغرب، وطالما ظللنا, كما قال نزار قبانى, لابسين قشرة الحضارة والروح جاهلية.