كلام دعاة الإعجاز العلمى يبدو فى ظاهره معقولاً وبالطبع نحب سماعه وتصديقه، فمن منا لا يريد إيهام نفسه بأنه أفضل من الغرب، ومن منا لا يريد خداع نفسه بأن لديه، فى نصوصه المقدسة، خزائن العلم الحديث، ولأننا نفكر فيما نتمنى وليس فيما هو حادث فى الواقع بالفعل، فقد أدمنا حلم الإعجاز الوردى. جاءت بنت الشاطئ لتقلقنا وتوقظنا من كسلنا وتخديرنا اللذيذ، وتقول إن مزالق التفسير العلمى للقرآن تمسخ العقيدة والعقل معاً، ما هو هذا المزلق الخطر؟، تقول بنت الشاطئ: «يتسلل إلى عقول أبناء هذا الزمان وضمائرهم أن القرآن إذا لم يقدم لهم علوم الطب والتشريح والرياضيات والفلك والفارماكوبيا وأسرار البيولوجيا والإلكترون والذرة فليس صالحاً لزماننا».

ترجع د. بنت الشاطئ موضة الإعجاز العلمى إلى عقدة النقص التى استغلها دعاة الإعجاز فباعوا لنا المخدر على هيئة كلام خلاب يجذب الأسماع عن سبق القرآن إلى النظريات العلمية، وتقول أستاذة التفسير: «ما علينا مثلاً أن ترتاد روسيا مجاهل الفضاء، وأن تهبط أبولو على سطح القمر، فلدينا من كل ذلك ما يغنينا عن التعلق به والسعى إليه، وعندنا مفسر عصرى يقدم لنا كل علوم الدنيا، ويضيف إليها علم الغيب والحياة الآخرة»!!

تؤكد أستاذة التفسير أن الألفاظ يختلف استعمالها من عصر إلى عصر ومن بيئة لأخرى ولا وجه لأن نحمل كلمة فى أى نص دلالة لا يعرفها عصره ولا مجتمعه، فالقرية فى القرآن مثلاً ليست قرية التقسيم الإدارى الحديث، وكذلك الساعة ليست الستين دقيقة باصطلاحها المعاصر.. وهكذا، وتؤكد بنت الشاطئ أيضاً أن من وجوه الدقة القرآنية استحالة تفسير عبارة مبتورة من سياقها الخاص فى الآية ومن سياقها العام فى المصحف كله، ولذلك فلا يصح لدعاة الإعجاز العلمى الاستشهاد بقوله تعالى «وإن منها لما يهبط من خشية الله» للدلالة على دك الجبال يوم القيامة، لأنهم بذلك بتروها من سياقها فى قوم موسى والتى لا علاقة لها بدك الجبال يوم القيامة!!

تصف بنت الشاطئ من يقبل الإعجاز العلمى بأنه يتخلى عن منطق عصره وكرامة عقله وكبرياء علمه وهى ترفض ذلك وتتساءل: «هل أعيش فى عصر العلم بمنطق قريتى حين يفد إليها الباعة الجوالون بألف صنف، يروج لها ضجيج إعلانى بالطبل والزمر عن كل شىء لكل شىء، أو بتاع كله؟»!!، وتشبه بنت الشاطئ داعية الإعجاز بأنه «لا يلبث أن يخرج على الناس وفى جرابه طرائف وغرائب من كل علوم العصر، ومعها مكتشفات من مجاهل الميتافيزيقا»، و«أرانا اليوم نواجه فى عصر العلم من ينتحلون الدراية بكل علوم الدين والدنيا، ومن يخوضون فى الغيب فيفسرون لنا آيات القرآن فى الساعة والقيامة بما لم يأت به نص، ولا كشف عن غيبه علم».

لكن ما هى الأدلة المفحمة التى أوردتها د. بنت الشاطئ فى تفنيدها لخطأ مقولة الإعجاز العلمى؟