من الممكن تعريف مصر بعدة طرق وصفات تتفرد وتتميز بها.. هى بلد الأهرامات وأبوالهول، أو هى بلد البلهارسيا والتراكوما وفيروس سى من النوع الرابع، أو هى البلد العربى الوحيد الذى حاز أربعة من أبنائه جائزة نوبل، أو هى البلد الوحيد فى العالم الذى تقوم فيه مظاهرات وتدمَّر منازل وتُحرق حقول بسبب معاكسة شاب مسيحى لفتاة مسلمة!

الجنس فى الغرب للإثارة، أما الجنس فى مصر فهو للثورة! الهوس الجنسى هو المحرض على الثورة فى مصر الآن، وكما وضع فلاسفة الماركسية التفسير الطبقى للتاريخ، وضع فتوات وبلطجية مصر التفسير الجنسى للتاريخ!.. لا تندهش إذا وجدت ابن قرية الصعيد التى يثور أهلها من أجل مغازلة، طرفاها مسيحى ومسلمة أو مسيحية ومسلم، يخرج فى مظاهرة من أجل كلمة غزل أو نظرة تسلل ولا يحرك ساكناً من أجل ندرة رغيف العيش أو ارتفاع سعر الطماطم أو انهيار مستوى المدرسة،

من الممكن جداً والسهل جداً أن ينتفض هذا الرجل حين يستمع إلى خطيب الجمعة يحذره من أن هناك أقباطاً يصلون فى بيت فلان الذى سيحولونه إلى كنيسة، يثور ويرغى ويزبد ويحمل السلاح ويشعل النيران ويتحول إلى أسد هصور جامح ويحوّل هذا البيت إلى كوم حجارة أو فتافيت رماد فى لحظات، انظروا إلى نفس الرجل يشرب مياهاً مختلطة ببوله وبرازه وصرفه الصحى دون أن يرتعش له جفن، ويدخل بيته وهو يصارع أكوام القمامة وتلال الزبالة التى تسد الباب وهو مرتاح البال والضمير قرير العين غير مستجير، لا يخرج فى مظاهرة من أجل تزوير إرادته أو تزييف عقله أو الضحك على ذقنه أو حتى من أجل قوت أبنائه، وإنما يخرج لأن صوت الترانيم تسلل من بيت جاره الذى طالما اقتسم اللقمة معه، وشرب الشاى معه، ومن الممكن أن يكون قد استلف منه فى وقت «الزنقة»!

ماذا حدث.. لماذا انقلبت الأولويات لدى هذا الشعب المسكين.. لماذا لم يعد يحركه إلا الهوس الجنسى والهوس الدينى.. لماذا تآلفت عيناه وتصالح عقله ووجدانه وضميره مع كل مظاهر القبح فى الشكل وفى الضمير، لم يعد يستيقظ وينفر ويثور وتقف قرون استشعاره ويتربص راداره وتنضبط بوصلته إلا عندما يرتبط الحدث بطيف دين أو لطشة جنس؟!

كان الجنس فى العالم كله للفتنة الجسدية، وصار فى مصر للفتنة الطائفية.. الازدواجية التى تحكم عقل المصرى تجعل الشاب العاطل الذى يبحث طوال الليل عن فيلم البورنو على القمر التركى يصحو فجراً ليتظاهر ويحرق ويدمر، حفاظاً على الشرف، وذوداً عن حياض أذن فتاة مكبوتة مقهورة استمعت إلى كلمة غزل من شاب مكبوت مهووس نتيجة تربية عفنة مهترئة مزيفة شكلية للطرفين من عائلات وأسر اختزلوا الشرف فى غشاء البكارة.

يرتشى الرجل ولا ينتقص هذا من شرفه، يسرق عرق وجهد الناس ولا يخدش هذا شرفه، يتزوج كما يشاء ويطلّق كما يشاء ويشترى المراهقات، مستغلاً فقر الأب وذل الأم، وهو فى منتهى براءة الشرف، أما أن تخترق طبلة أذن فتاة كلمة إعجاب طائشة، فهذا هو الشرف الذى لابد أن تراق على جوانبه الدم!

إنها سيادة روح القطيع وغريزة الضباع التى تغلبت على لين وتحضر الطباع.