وصلتنى رسالة من الأستاذة سهير الدفراوى المصرى، صاحبة مدونة «أنا ونحن»، هى مدونة من نوع خاص تتحدث عن مهارات الحياة وقصص النجاح الاجتماعى وفن التواصل، جذبنى موضوع مهم كتبته سهير، أو بالأصح سؤال مهم طرحته، السؤال هو: لماذا يتقدم بعض البلاد ويتأخر البعض؟.. نواة السؤال كانت فى كتاب لمدير المعونة الأمريكية الذى قارن بين استفادة كوريا الجنوبية منها التى صارت نمراً اقتصادياً، وعدم استفادة غانا التى مازالت فى عداد الدول الفقيرة المستهلكة، تقول سهير عن عوامل التقدم: «على رأس قائمة هذه العوامل سيادة القانون سيادة تامة، ففى البلاد القابلة للتنمية يطبق القانون على الغنى والقوى مثلما يطبق تمامًا على الفقير والضعيف، ومن يُفسد يعاقب، والوساطة لا تتحكم فى الأعمال أو التعيينات، فلا تسمع (إنت عارف إنت بتكلم مين؟)، ويتعلم الطفل منذ الصغر أهمية احترام القانون، ابتداء من قانون النظام فى الفصل والمدرسة، إلى قانون المرور، وإلى كل قانون، ليس هناك خيار أو فاقوس.

يقال إنه فى خمسينيات القرن الماضى عندما كانت فرنسا تمر بفترة اضطرابات عصيبة، ذهب بعض السياسيين الفرنسيين إلى الجنرال ديجول، بطل المقاومة الفرنسية فى الحرب العالمية الثانية، وطلبوا منه أن يرجع مرة أخرى إلى حكم فرنسا، فسألهم: كيف حال القضاء؟ قالوا: (مازال نزيهًا)، فسأل: (كيف حال التعليم؟)، فأجابوا: (مازال بخير)، فقال: (إذن، نستطيع أن نبنى فرنسا من جديد).

قطر التعارف والثقة هو العامل المهم الثانى فى التنمية، ففى المجتمعات المناهضة للتنمية، تجد الناس يثقون فقط فى أقربائهم، وأصدقائهم، ومن يعرفونهم، أى من «هم مثلهم»، أما فى المجتمعات القابلة للتنمية، فتجد أن التعارف والثقة لا يقتصران على العائلة والأصدقاء أو «على المثل» بل يشملان مجتمعًا قطره واسع، مجتمع يثق فيه الناس فى بعضهم البعض، ويستطيع الفرد أن يتعامل مع من لا يعرفه لأنه واثق أن هناك قانوناً يُحترم، سيسانده وقت الحاجة. أذكر حديثاً فى شيكاغو منذ أكثر من عشرين عامًا، حاول فيه أجنبى أن يقنع رجل أعمال أمريكياً بأن يقوم بمشروع فى بلده، فكان رد الأمريكى: (أنا أفضل التعامل مع رجال الأعمال من بلد كذا «وهو بلد عربى» فعندما نتفق ونتصافح، يكون هذا بمثابة اتفاق مكتوب، فلهذه الثقة أفضل التعامل مع هذا البلد)!

والمعروف أن الثقة ليست فقط ميسراً للعلاقات التجارية، ولكنها أيضًا ميسر للتقدم العام للمجتمع، فعندما يضع الناس أنفسهم مكان الآخر سيزكون بأموالهم، ويدفعون الضرائب برضاء، ويُكونون الجمعيات الخيرية، ويجتمعون فى تجمعات، أهلية لمناقشة مواضيع تهمهم كمجتمع واحد. فى المجتمعات التى تحدث فيها الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات، يحتاج الأفراد أن يجتمعوا فى تجمعات أهلية ليساعدوا البعض فى التغلب على الصعاب، ومن هنا تكونت مجالس القرى فى بلاد العالم».

للعائلة دور مهم فى تنمية المجتمع، فهى مهد أخلاق الفرد الذى يكوّن المجتمع، لاحظ مدير المعونة أن المجتمعات التى تُكون فيها العائلة حصنًا يتحصن فيه الفرد ضد القانون (مثل المافيا)، هذه المجتمعات لا تتقدم، لأنها تهدر الشرط الأساسى لتقدم الشعوب وهو سيادة القانون. هل فكرت أن مثلنا الشائع «أنا وأخويا على ابن عمى، وأنا وابن عمى على الغريب» فيه كسر لسيادة القانون، وبالتالى قد يكون عاملاً لعدم تقدم مجتمعنا؟!