العميد الذى ذكرته فى العنوان ليس حسام حسن، وإنما هو طه حسين!.. عندما دخلت موقع «جوجل» يوم ١٤ نوفمبر ووجدت طه حسين يحتل الشعار الرئيسى فى صدر الصفحة اندهشت وحزنت، الدهشة مصدرها أن يتذكره أعظم وأشهر مواقع العالم على الإنترنت، والحزن مصدره أن ذكرى ميلاد هذا العبقرى الثائر المتمرد سارق نار المعرفة لمصر والعرب مرت فى صمت.. التسمية الصحيحة لهذا الصمت هى اللامبالاة المتعمدة، والرغبة فى نفى طه حسين من الذاكرة المصرية مع سبق الإصرار والترصد، نحن قتلنا طه حسين، مجتمعنا خان طه حسين، وطننا كتم صوته وشوه صورته واغتاله برصاص الجهل والتخلف.

نظرت إلى نظارة طه حسين التى تطل من شعار جوجل، تذكرت قصيدة حوار ثورى مع طه حسين لنزار قبانى، هل عيـونُ الأديبِ نهورُ لهيبٍ.. أم عيـونُ الأديبِ نَهرُ أغانى؟، آهِ يا سـيّدى الذى جعلَ اللّيـلَ نهاراً، والأرضَ كالمهرجانِ، ارمِ نـظّارَتَيْـكَ كـى اتملّـى.. كيف تبكى شـواطئُ المرجـانِ، ارمِ نظّارَتَيْكَ.. ما أنـتَ أعمى.. إنّمـا نحـنُ جـوقـةُ العميـانِ!.. نعم، نحن صرنا جوقة العميان، ولم نستعر بصيرة طه، لقد أشعل النار فى هشيم كسلنا العقلى وخوفنا المزمن، كسر جدران كهفنا الجرانيتى الصلد، الذى نرى خيالات على حائطه، فنظنها الحقيقة وهى الوهم والأساطير، تسلل إلى قوقعتنا الدافئة واخترق قشرتها الصلبة، صلابة درقة السلحفاة، لنخرج أدمغتنا ونستنشق نسيم الحرية وعبير هواء العقل النقى، طالبنا بأن ننظر عبر البحر الأبيض، ففيه خلاصنا الحضارى، أصدر كتابه عن الشعر الجاهلى صارخاً فينا ليخلع كل منا رداء قداسة البدهيات أمام مدرج البحث العلمى، فكل شىء قابل للبحث والنقاش والتحليل والشك، فالمجتمعات تتقدم بعلامات الاستفهام أكثر من تقدمها بنقاط الإجابة، صرنا فى زمن التزمت السلفى والتشدد الوهابى عمياناً، نكره من منحنا البصيرة وأعطانا خريطة الرحلة، ولكننا فضّلنا العمى ورفضنا الرحيل.

عُـدْ إلينا، يا سيّدى، عُـدْ إلينا.. وانتَشِلنا من قبضـةِ الطـوفـانِ، أنتَ أرضعتَنـا حليـبَ التّحـدّى.. فَطحَنَّـا الـنجـومَ بالأسـنانِ، واقـتَـلَعنـا جـلودَنـا بيدَيْنـا.. وفَـكَكْنـا حـجـارةَ الأكـوانِ، ورَفَضْنا كُلَّ السّلاطينِ فى الأرضِ.. رَفـَضْنـا عـِبـادةَ الأوثـانِ، أيّها الغاضبُ الكبيـرُ تأمَّـلْ.. كيفَ صارَ الكُتَّـابُ كالخِرفـانِ، قَنعـوا بالحياةِ شَمسَاً ومرعىً.. واطمَأنّـوا للمـاءِ والغُـدْرانِ، إنَّ أقسـى الأشياءِ للنفسِ ظُلماً.. قَلَمٌ فى يَـدِ الجَبَـانِ الجَبَـانِ!!..

يضحك طه حسين من خلف شعار «جوجل» قائلاً: ما هو الثمن الذى دفعتموه يامثقفى مصر فى معركتكم ضد من اغتصبوا عقل مصر.. هل امتلكتم العقل النقدى ضد ما يسمونه ثوابت التاريخ ومعلوم الدين، أم أمسكتم العصا من المنتصف وجاملتم ونافقتم وحافظتم على مكاسبكم.. لماذا ترتعش أقلامكم وترتعد أفكاركم حين تواجهون خفافيش الظلام؟! إنكم لم تستعدوا جيداً للمعركة، لم تشتغلوا على أنفسكم بالجهد والعرق والدأب، انشغلتم بتوافه الحياة وتركتم الدفة، بل القارب بنفسه فى يد القراصنة الجدد، هل يوجد مثقف فيكم هضم التراث واستوعب الثقافة الغربية فى الوقت نفسه وبالدرجة نفسها مثلى؟! هذا هو الاستعداد الحقيقى للمعركة التى كنت أعرف جيداً خطورتها، فأعددت العدة الثقافية والزاد الفكرى لمواجهة جحافل التتار وجراد الصحراء، وانتصرت كفرد وموقف، ولكنى - للأسف - خسرت كتيار وتلاميذ، فصرت شجرة، جذرها قوى، ولكنها بلا فروع ولا ثمار ولا زهور، تقف وحيدة مهجورة فى هجير الصحراء.