من العادى والمقبول أن تتلقى اعتراضات وانتقادات على ما تكتبه، ولكن لماذا تتحول هذه الاعتراضات والانتقادات إلى هستيريا وسباب وردح وعدوانية تصل إلى حد التهديد والوعيد حين يتعلق ما تكتبه بالمرأة؟! كلما كتبت مدافعاً عن المرأة ومهاجماً ختان الإناث وصلتنى رسائل سوقية خارجة عن كل عرف وذوق، والمفروض أنها صادرة عن رجال متعلمين، ولا أعرف سر هذه العصبية التى تتلبس مَنْ يجشم نفسه عناء الرد بالشتيمة على مقال يناقش بالمنطق عادة بربرية همجية مثل عادة الختان! صارت هذه الجلدة الأنثوية هى ساحة الوغى لكل مَنْ يطلب الشهادة ويؤرقه كبته ويكويه وسواسه وتغيظه إخفاقاته، فيصبح جسد المرأة هو لوحة التنشين التى يُخرج فيها كبته وينفث بخار غيظه! إحدى هذه الرسائل وكانت بتوقيع [email protected]، بعد فاصل الشتيمة والدعاء على شخصى المتواضع ووصفى بأحط الصفات، قال صاحبها إنه رجل ريفى وسيظل يحارب من أجل الختان حتى لا تصبح بنت الريف منحلة مثل بنت المدينة ولو وصل الأمر إلى غلق هذا الجزء نهائياً!

أفهم سر الاكتئاب والإحباط والكبت الذى يعانيه الرجل المصرى، ولكن أن يوجه سهامه إلى جسد المرأة بدلاً من فك شفرة كبته وإحباطه، فهذا هو ما لا أفهمه! أفهم تخبطه وفقدانه بوصلة التحقق الإنسانى، ولكن ما لا أفهمه هو عدم بحثه عن تلك البوصلة، وبحثه بدلاً منها عن بروز أنثوى لم ينصّبه أحد وكيلاً حصرياً له أو وصياً عليه أو حامل منشار مقدس يجز به نتوءات الإناث! والأعجب أن تخرج فى القرن الحادى والعشرين صيحات تطالب بحزام العفة على الطريقة المصرية! إغلاق هذا الجزء الأنثوى المزعج الذى يؤرق حزب المكبوتين، يصدرون لنا أن الجنس ليس همهم بل هو على الهامش، وهو فى الحقيقة شغلهم الشاغل ووسواسهم المزمن وجوهر حياتهم وصلبها وعمودها الخرسانى!

كان تاجر العصور الوسطى مثلما يدافع عن تجارته يدافع عن زوجته بحزام العفة التى كانت ترتديه للحفاظ على حرمة بيته أثناء سفره.. حزام العفة كان عبارة عن هيكل معدنى فى اتساع راحة اليد يلبس حول عورة المرأة ولا يترك لها سوى ثقب صغير يسمح لها بقضاء حاجتها، يقفل هذا الحزام عند أعلى الفخذ بقفل متين يحتفظ الزوج بمفتاحه، يرجع تاريخ هذه الوسيلة الجهنمية إلى «أوديسة» هوميروس، التى وصف فيها خيانة «أفروديت» لزوجها «هيفايستوس» مع أخيه «آرس»، مما اضطر الزوج إلى صنع هذا الحزام، إلا أن أهل اليونان لم يستخدموه بل كان أول من استخدمه هو أهل فلورنسا ولذلك حمل اسماً آخر هو «حزام فلورنسا»، والعجيب أن التجار تفننوا فى تزيين هذا الحزام بالذهب والأحجار الكريمة!

هل عادت نداءات حزام العفة إلى مصر مرة أخرى؟ حماس الرجال للختان هو نوستالجيا حنين إلى عصر الجوارى والحريم ورغبة حارقة فى راحة الدماغ من البحث عن علاقة صحية بينه وبين المرأة فيدفع رجال مصر المليارات على الفياجرا لتأجيج رغباتهم ويسوقون بناتهم للختان لإطفاء رغباتهن التى مكانها المخ لا البظر، واغتيال أنوثتهن وتحويلهن إلى قطيع ينتظر إشارة الراعى ومزاج الثور الفحل! حماس الأمهات والجدات للختان هو السلوك الأكثر إدهاشاً، إذ كيف تدافع امرأة ذاقت مرارة ومهانة الختان عن هذه الجريمة بل تدفع بابنتها بمنتهى الحماس إلى أتون هذه العادة البربرية؟ إلا إذا كانت امرأة سادية تعانى من مرض عشق وتلذذ تعذيب النفس!

للأسف حزام العفة الحديدى عندنا انتقل من منطقة الفخذ إلى منطقة المخ، ضغط على الخلايا حتى ضمرت، وكتم المشاعر حتى بردت، وشمع خلايا الأعصاب حتى خمدت، أما مفتاحه فقد ألقيناه فى بحر الظلمات.