جمعتنى الظروف بأستاذ نساء وولادة فى أحد الاحتفالات، كان الأستاذ يصافح الجميع بعفويته ودماثة خلقه ومجاملته الرقيقة، اتجه الأستاذ الى طبيبة وأستاذة من تلميذاته ليصافحها فإذا بها تسحب يدها وترفض مصافحته قائلة بحدة: «أنا لا أصافح الرجال»!، تكهرب الموقف، تسمر الأستاذ فى مكانه غير مصدق تصرف تلميذته التى أحرجته أمام كل الحضور، إنها تلميذته وفارق السن أكثر من ربع قرن، وبالمناسبة هو الذى قام بتوليدها!!

فلماذا كل هذا الجفاء فى التصرف وقلة الذوق فى التعامل تحت شعار الحفاظ على العفة والمزيد من التدين، هل سيسرى تيار الجنس فى كهرباء الأعصاب من كف اليد حتى مراكز الرغبة فى المخ، ويندفع هورمون التستوستيرون أو بالأصح ما تبقى منه الى بروستاتة الأستاذ المحتقنة تحت تأثير هذه المصافحة؟!، هل هى مصافحة أم مناكحة؟!

لماذا نربط المصافحة المحترمة بالجنس والنجاسة والخطيئة؟، لماذا عندنا وعندنا فقط يعشش الوسواس الجنسى فى كل تصرف، ويرقد التربص والهوس الشبقى أسفل كل فكرة؟، لماذا نفسر كل سلوك برىء بأن وراءه رغبة جنس مخطوفة أو لحظة لذة مسروقة؟، لماذا كل رجل هو ذئب إلى أن يثبت صك براءته، ولماذا كل امرأة هى نعجة.. فريسة إلى أن تعلن بياض صفحة شرفها؟، لماذا يرتبط شرف المرأة عندنا بالغشاء ومنطقة الحوض ولا يصعد إلى أعلى حيث المخ والعقل والروح؟!.

تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ اعتذار وزير الإعلام الإندونيسى فى صفحته الرسمية على موقع تويتر عن جريمته النكراء، الجريمة تتلخص فى مصافحته زوجة الرئيس أوباما ولمس لحم كفه الطاهر تجاعيد كفها النجس!، وقال سيمبرينج وزير الإعلام الإندونيسى فى تبرير فعلته المشينة: «حاولت منع التلامس باليد، لكن السيدة ميشيل أوباما مدت يدها قريبا منى بحيث صار امتناعى عن مصافحتها مستحيلا.. لم يكن هذا خيارى»، قالها وكأنه يعتذر عن ضبطه متلبساً فى ليلة حمراء أو قضية آداب!!، اعتذر وزير الإعلام عن وقوعه فى الحرام - على حد قوله - المدهش أن التعليقات التى جلدته على الموقع تدل على تغير المزاج الإندونيسى المعتدل فى تدينه الى مزاج آخر أكثر سلفية وتشدداً ينذر بتحول إندونيسيا إلى طالبان آخر.

آراء وزير الإعلام الإندونيسى لا تنفصل عن تركيبته الفكرية العامة التى جعلته يصف الكوارث الطبيعية التى دمرت بلاده بأنها ما هى إلا نتيجة مباشرة لغياب القيم والأخلاق!، المشكلة أنه ليس أى وزير ولكنه وزير الإعلام فى أكبر دولة مسلمة فى العالم، أى أنه مسؤول عن تشكيل عقلية ووعى هذا الشعب، والمشكلة الكبرى هى فى تصدير هذه الصورة المأساوية عن الرجل المسلم الهش الذى يرتعش بمجرد مصافحة، ويسيل لعابه بمجرد نظرة ولمسة ولفتة فى أجواء بروتوكول رسمى!،

إنها إهانة للرجل قبل المرأة، فالرجل المصرى أو السعودى أو الباكستانى أو الإندونيسى الذى ثلاثة أرباع وزنه شهوة وغريزة، والربع الباقى شبق وفحيح جنسى ليس مكانه جامعة أو مصلحة حكومية ولكن مكانه مصحة نفسية تعيد إليه توازنه النفسى، ومشاعر هذا الرجل الهستيرية العصابية تجاه الجنس ليس من المفروض أن تكون مانيفستو حياتنا، أو مسطرة تصرفاتنا الأخلاقية التى نقيس عليها سلوكياتنا.

المفروض أن الجنس مجرد محطة فى حياتنا الى جانبها محطات أخرى كثيرة نمر عليها فى رحلتنا اليومية ذهاباً وإياباً، للأسف تحول الجنس من مجرد محطة إلى القطار نفسه!