عندما كتبت كتابى «الختان والعنف ضد المرأة» منذ عشر سنوات تخيلت أن الأطباء هم السند الطبى والدعم المعنوى والاحتياطى الاستراتيجى فى معركتى ضد هذه العادة البربرية، وبالطبع كان معى فى هذه المعركة أطباء ساندونى ودعمونى، لكن المفاجأة أن هناك أطباء عددهم غير قليل هاجموا الكتاب، وانتقدوا الفكرة، وكوّنوا حزب مؤيدى ختان البنات ولوبى أنصار وأد المرأة الحديث!

واندهشت أكثر حين عرفت أن مَنْ رفع قضية ضد قرار وزير الصحة بتجريم ومنع ختان الإناث طبيب، بل هو أستاذ نساء وولادة!! فوجئت بانتشار سرطان اسمه «الطبيب الدرويش»، وهو الطبيب الذى يضحى بكل المراجع العلمية والمجلات الطبية المحكمة والريفيوهات التى يكتبها كبار أساتذة الطب فى العالم، ويحفظ بدلاً منها كتب الأذكار، ويدخل بدلاً من مدرج المعمل وحجرة العمليات حلقات الذكر والزار!!

يتعلم الطب داخل الكلية بطريقة الطب القائم على الدليل، ثم يخرج من الكلية ليتبنى جراحة خارجة عن القانون وعن العلم وعن الإنسانية، جراحة لم تذكر فى مرجع طبى واحد فى العالم كله، يقول لك بالفم المليان «طظ فى كتب الطب، المهم ما قيل فى كتب الفقه»!

تسايره فى الحديث فتقول له: وهل كتب الفقه قالت ذلك؟ وتعدد له شيوخاً وفقهاء عارضوا ختان الإناث، ومنهم شيخ الأزهر والمفتى، فينظر إليك ساخراً راثياً لحالك هازاً رأسه طالباً لك الهداية، متهماً كل هؤلاء الشيوخ بأنهم «بتوع الحكومة»! وعندما يصر على اختيار شيخه الذى على هواه، والذى يبرر له هذه الجريمة فتواجهه بأن الكلمة للعلم فى هذه القضية، سرعان ما يتهمك بـ«الكفر»!

عندما وجد أطباء العالم هذه العادة الهمجية تجرى باسم الطب أطلقوا عليها اسماً يناسبها ويليق بها، وهو «البتر التناسلى» أو «التشويه التناسلى للإناث»، وعندما وجدت وزيرة السكان واكتشف وزير الصحة أن الطبيب هو من ضمن أحجار حائط بارليف الذى يمنع عبور فكرة القضاء على الختان ونجاح استئصاله من مصر التى تعد أكبر دولة يمارس فيها هذا الذبح الجماعى الشرعى، اجتمع د. الجبلى مع الوزيرة النشطة مشيرة خطاب، وقررا إعلان مشروع «لا لتطبيب ختان الإناث»، وطباعة كتيب تدريبى لمقدمى الخدمة الصحية فى مصر يشرح أضرار هذه الجريمة البشعة، هذه الجريمة التى لا سند إنسانياً ولا دينياً ولا طبياً ولا قانونياً لها،

ولكنها مازالت تتم.. عادة عكست نظرتنا الهمجية الدونية للمرأة، مما يجعل أى مكسب لها بداية من الخلع حتى الكوتة مجرد ديكور للزينة وقناع للتخفى وليس واقعاً وحقيقة وجوهراً وضميراً واتفاقاً مجتمعياً.. عادة فضحت تخلفنا وجهلنا واستخدامنا النفعى للدين وبعدنا الرهيب عن نداء الضمير الذى هو جوهر الدين، وتبلد أحاسيسنا، وبرود حس التعاطف والحب بداخلنا.. عادة فضحت بعض الأطباء الذين باعوا ضمائرهم لقاء حفنة جنيهات مغموسة فى دم زهور البراءة، وباعوا أدمغتهم لقاء جملة شعارات كاذبة خدّاعة، باعوا أنفسهم بثمن بخس.

أتمنى أن يمتد هذا المشروع ويكبر ولا يصبح حبيس كتيبات أو غرف مغلقة، فالجريمة جريمة مجتمع، والمواجهة لابد أن تكون بحجم هذا الجرم وباتساع هذا الوطن.