فى عظة الأربعاء الماضى سأل أحد الحضور فى الكنيسة البابا شنودة عن إمكانية استخدام الملاعق البلاستيكية بدلا من المعدنية فى طقس التناول المسيحى، بما يتيح استخدامها مرة واحدة وذلك للمساعدة على عدم نقل الأمراض، نتيجة تكرار استخدام الملعقة المعدنية من شخص لآخر، فرد البابا قائلاً: (هذا الكلام خطية كبيرة، أسرار الكنيسة تشفى من الأمراض، ولا يصح أن نقول إنها تنقلها)!!،

وقد اندهشت من اعتبار استخدام الملعقة البلاستيكية انتهاكاً لأسرار الكنيسة، واندهشت أكثر من الإصرار على إقحام العقيدة والأسرار فى أى تفصيلة، ولو كانت ضمن تفاصيل فرضها التقدم العلمى الذى أهدى للناس، ومنهم الواقفون فى طابور التناول، فرصة سلوك أكثر أماناً من الناحية الصحية، فبدلاً من الإصرار على ملعقة خشبية أو فضية أو ذهبية واحدة للجميع من الممكن فعلاً أن تنقل الأمراض باللعاب، اقترح الرجل، الذى أعمل عقله للحظات وفكر تفكيراً مشروعاً وبسيطاً وغير مكلف، وهو استخدام ملعقة بلاستيكية مثلما نستخدم الحقن البلاستيكية لمرة واحدة، كل ما أجرم فيه الرجل هو أنه خرج من طابور السمع والطاعة والإذعان وانضم إلى طابور العقل والسؤال، فتم اتهامه بأنه فعل خطية وأذنب ذنباً رهيباً وأجرم جريمة نكراء بأنه فكر فى استخدام ملعقة بلاستيك!!!

ما دخل الخطيئة بتفصيلة صحية وبملعقة بلاستيك، لماذا هذا القفز السريع ناحية سقف أعلى الذنوب والمحرمات بسبب تفكير مغاير، السائل الذى اقترح استخدام الملعقة البلاستيكية لم ينكر طقس التناول نفسه، هو رجل مسيحى بسيط مؤمن بهذا الطقس، لم يناقش فلسفته، ولم يتدخل فى أمور العقيدة، ولم يشكك فى الكنيسة، هو فقط أحس بأن هناك طريقة أكثر أماناً، خاصة أن هذا اليوم كان يوم احتفال عالمى بغسيل اليدين الصحى فى شكل حملة إعلامية حضت الجميع وشجعته على سلوكيات أكثر احتراماً للصحة، خاصة أننا فى مجتمع يعانى من الفوضى الطبية.

سيقول قائل مستنكراً: يعنى هى جت على دى؟!!، نعم جت على دى، فالقصة ليست قصة ملعقة فضة وملعقة بلاستيك، ليست القضية بهذه التفاهة، ولكنها قضية احترام منهج علمى وطريقة منطقية فى التفكير فى التفاصيل الصغيرة التى ستقودنا إلى الاهتمام بالقضايا الكبيرة، القضية قضية عدم رفع فزاعة الخطيئة والتكفير والخروج والردة.. إلخ، التى يرفعها أى رجل دين فى أى ملة أو عقيدة أو مذهب أمام من يريد التفكير بطريقة عقلانية، القضية قضية احتكار الحقيقة، التى لابد أن يعرف أسرارها فقط رجل الدين، ليس من المعقول أن نعانى ازدواجية فى السلوكيات الصحية المتعارف عليها والثابتة علمياً، فنقول إن الملعقة التى يشرب منها طابور من مائة شخص فى مطعم وتنتقل من فم إلى آخر هو سلوك غير صحى فى هذا المطعم، ثم نحولها إلى سر كنسى وسلوك صحى فى الكنيسة!!، كما أنه ليس من المعقول أن نقول إنه لو جففنا أجسادنا بفوطة مشتركة سينتقل مرض التنيا فى الساونا ولكنه لن ينتقل بعد الوضوء، لأننا نمارس طقساً دينياً!!!

أنا لا يهمنى أن تكون الملعقة من بلاستيك أو من ألومنيوم، ولكن ما يهمنى هو السماح لكل من يسأل ويفكر بألا نحنط ونجمد ونغتال علامات الاستفهام بداخله تحت أى مسمى، وإلا تحولت عقولنا إلى عقول من فولاذ!