فتح برنامج «مصر النهارده» يوم الخميس الماضى، ملف ما كتبته فى «المصرى اليوم» تحت عنوان الدليل الشرعى يقهر الـ«دى. إن. إيه»، وقد استضاف الإعلامى خيرى رمضان وزميلته الإعلامية منى الشرقاوى من الأزهر د. عبدالله النجار، ومن مصلحة الطب الشرعى د. فخرى صالح، رئيس المصلحة السابق، والمدهش أن لهجة د. فخرى صالح كانت تجنح إلى التقليل والتهوين من أهمية الـ«دى. إن. إيه».. ولتدعيم وجهة نظره بإدانة الحامض النووى، ذكر قضية سيمبسون، لاعب الكرة الأمريكى الشهير، الذى اتهم بقتل زوجته وعشيقها وخرج براءة، وللأسف كان استدلاله بهذه الجريمة بالذات استدلالاً فى غير موضعه، فقد كشفت تلك القضية عن ثغرات هائلة فى القانون الأمريكى، حاول القانونيون إصلاحها ونجحوا إلى حد كبير، وثانياً لم يخرج أحد فى العالم كله غير الدكتور فخرى باستنتاج أن الـ«دى. إن. إيه» عنصر مضلل فى هذه القضية، وثالثاً عندما حكم على لاعب الكرة بخمسة عشر عاماً فى قضية سطو مسلح وخطف بعدها بسنوات، فاتضح كم كانت المحكمة مخدوعة تحت ضغط الرأى العام وشطارة المحامين.

المهم والصادم هو ما قاله د. عبدالله النجار فى هذه الحلقة وإطلاق صفة المعلوم من الدين بالضرورة على قضية الولد للفراش، وتهديد كل من يغلّب الدليل العلمى على هذه المقولة فى قضايا إثبات النسب بأنه ينكر المعلوم من الدين بالضرورة، وهو تضخيم مرعب لهذه المقولة وجعله متسعاً لكل القضايا الخلافية.. باتت هذه المقولة فزاعة لكل من يجرؤ على التفكير فى مجتمعنا، إنها مقولة فضفاضة باتت سراً كهنوتياً لا يفهمه ولا يفقهه إلا دائرة مغلقة من الشيوخ هم الوحيدون القادرون على فك طلاسمها!!.. أصبح من يناقش حديثاً فى البخارى منكراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة رغم أن الشيخ الغزالى نفسه قد عارض بعض هذه الأحاديث!.. بات من يناقش رأياً فقهياً هو منكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة حتى ولو تجاوز الزمن وأنكر العلم هذا الرأى الفقهى.. صار من يفكر فى دلالات وأحكام الآيات والأحاديث كافراً مارقاً منكراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولم يقف أحد لحظة للتدبر فيما فعله الفاروق عمر عندما تعامل مع الدلالة والروح والغرض القرآنى، عندما منع سهم المؤلفة قلوبهم رغم أنها آية صريحة فى القرآن، لم يكتب فيها أى أمر بالإلغاء أو المنع تحت أى اسم!!، فماذا يقول رافعو شعار المعلوم من الدين بالضرورة أمام تصرف الفاروق عمر؟!

هل مقولة المعلوم من الدين بالضرورة مقولة بشرية أم إلهية.. ألم يقلها بشر فقيه استنباطاً من رأى خاص.. أليس من الإرهاب الفكرى أن ترفع كل دقيقة هذه المقولة فى وجه كل من يتحدث مجتهداً حتى ولو كان من أبناء الأزهر الشريف.. هل أصبح المعلوم من الدين شفرة رمزية وصندوقاً مغلقاً وحبراً سرياً لا يفك ألغازه إلا خاصة الخاصة من وكلاء الله على الأرض.. من بيده أن يمنح صكوك الغفران ويقول هذا أنكر معلوماً وهذا لم ينكر.. هل نصوص الدين معادلات كيميائية ومسائل هندسية رياضية لا تحتمل إلا الرأى الواحد والنتيجة الواحدة؟!

أرجو من د. عبدالله النجار، الذى أُكن له كل تقدير واحترام، أن يطبع قائمة محددة وواضحة بكل ما هو معلوم من الدين بالضرورة لكى تكون لنا مرشداً ودليلاً حتى لا نقع فى خطأ وخطيئة الخروج عن النص والابتعاد عن الكتالوج.