الشعراء قرية دمياطية كانت من أجمل قرى الدلتا قبل أن يغزوها غبار البوليستر، دهان الأثاث الحديث، الذى حل محل دهان الأستر والجمالاكا القديم، قرية أبى وأمى وأجدادى كانت تكسوها الخضرة قبل أن تكتسحها الخرسانة، كانت صدور أبنائها مليئة بالحب والود والبهجة قبل أن تتحجر من أثر البوليستر والبوليريتان ويزحف على رئاتهم السرطان ليلتهم أعمارهم.

جاءت شكوى أبناء قرية الشعراء فى جريدة الأهرام، أمس، صرخة من صدور تحجرت إلى مسؤولين قلوبهم تحجرت وآذانهم أغلقت وعقولهم صدأت، لم يحرك أحد ساكناً عندما قرأ أرقام المرضى الذين دخلوا مستشفى صدر دمياط فى شهر أغسطس، لم يزعجه أن سبعة آلاف بنى آدم، من بينهم أكثر من ألف وثمانمائة طفل دخلوا المستشفى للعلاج من أمراض التنفس والاختناق، لم ينزعج وزير البيئة عندما عرف أن الدول التى تصنع بوليستر دهان الأثاث المعادى للبيئة لا تستخدمه هى فى دهان أثاثها بل تصدره إلينا ليتنفسه أطفالنا، ليختنقوا فى عمر الزهور!!،

لم ينزعج وزير البيئة وغبار هذه المادة اللعينة يتطاير فى الشوارع بلا أى واقٍ وبلا أى كابينة رش مغلقة بعيدة عن التكتل السكانى وبلا أى احتياطات صحية، لم يزعجه أنها مادة مسرطنة تصيب من يستنشقها بالربو الشعبى المزمن وتحجر الرئة، لم ينزعج وزير البيئة وهو يقرأ تعريف هذه المادة بأنها مادة نارية قابلة للاشتعال تسبب تهيج الجلد والعين واحتقان الأغشية المخاطية، لم ينزعج وهو يقرأ تقريراً يتنبأ باختفاء قرية من على خريطة الحياة بسبب احتلال البوليستر خلايا تنفس أبناء القرية، الذين يجب على كل فرد منهم حمل أنبوبة أوكسجين احتياطى على كاهله كلما تنقل فى شوارع القرية!!

دمياط هى يابان مصر والشعراء هى يابان دمياط، قرية تخاصم الفشل وتنبش بمخالبها لكى تثبت مكانها على خريطة النجاح، بعد إجهاض اتفاقيات تصدير الموبيليا إلى روسيا انهارت صناعة الأثاث وخيم شبح البطالة على أبناء القرية وأبناء المحافظة كلها، هاجر معظمهم إلى العراق ولبنان، ومن لبنان بالذات استوردوا هذه الفكرة اللعينة، فكرة دهان البوليستر، أسرع وأقل جهداً ولا يحتاج إلى خبرة كبيرة أو تعليم طويل، بدأ الشباب والأطفال فى التوجه نحو هذا النوع من الدهان، جذبهم بعيداً عن فنون موبيليا أخرى مهمة ولكنها تحتاج إلى خبرة وتعليم طويل مثل مهنة الأويمجى، التى أعشق فنانيها البسطاء الأذكياء وهم يحفرون فى الخشب أشكالاً فنية بديعة تثبت أن موهبة النحات الفرعونى لم تمت، ومثل مهنة المدهباتى والمنجد وحتى النجار هجرها الموهوبون، فالأسهل بات يجذب هؤلاء الشباب حتى ولو كان قاتلاً.

يا وزير البيئة، يا محافظ دمياط، يا وزير الصناعة، يا رئيس الوزراء، شباب من خيرة شباب مصر يتحول إلى هياكل عظمية تنزف صدورها دماً بسبب هذا البوليستر اللعين، أرجوكم أنقذوا قرية تحتضر ومحافظة تنتحر فى صوبة مغلقة مليئة بغبار مسرطن يقتل ببطء ويدمر بثقة ويخرب بكل حماس، هل ستظلون فى مقاعد المتفرجين كثيراً؟