التاريخ ليس دليل تليفونات يحتوى على أسماء وأرقام، بل هو حركة زمن وتفاعل بشر لابد أن يظللها الصدق وترويها الحقيقة، وصلنى تعليق رأيت أنه لزاماً علىَّ من منطلق الحفاظ على إيقاع الصدق التاريخى أن أنشره، التعليق وصلنى من د. أشرف رجب، أستاذ الأنف والأذن والحنجرة، على ما تنشره «المصرى اليوم» حول الثورة والإخوان، حيث كتب:

«نشر فى (المصرى اليوم) مجموعة مقالات خلال الأسبوع الماضى بقلم الكاتب سليمان الحكيم عن روايات المستشار الدمرداش العقالى حول علاقة رجال الثورة بالإخوان المسلمين. وقد دفعنى للتعليق عليها الجزء المنشور يوم الخميس ٧/١٠ حول الفترة التى تلت اغتيال المرشد حسن البنا وفوز حزب الوفد بأغلبية كبيرة فى الانتخابات وقلق القصر من ذلك. وما ذكره الكاتب عن اجتماع الملك فاروق مع مجلس البلاط المكون من محمد نجيب سالم باشا ومحمد العشماوى باشا والشيخ محمد عبداللطيف دراز، رجل الدين البارز، ووكيل الأزهر الشريف ومستشار الملك وقطب من أقطاب الحزب السعدى.

قال المؤلف إن مجلس البلاط اقترح على الملك إعادة الإخوان المسلمين إلى ساحة السياسة لتقليص نفوذ الوفد والتآمر لاختيار مرشد عام جديد يكون ولاؤه للقصر. ويذكر السيناريست أن الشيخ دراز «انبرى» ورشح الشيخ أحمد حسن الباقورى زوج ابنته ونائب المرشد العام للإخوان المسلمين حينذاك ليتولى منصب المرشد ويقوم بهذه المهمة لصالح الملك. وبعد اعتماد هذه الخطة ومحاولة تنفيذها فشل الشيخ الباقورى فى الحصول على تأييد أعضاء مكتب الإرشاد، فتحول إلى ترشيح المستشار الهضيبى، الذى لعب دور عميل الملك داخل الإخوان.

ولى على هذه الرواية عدة تعليقات، بصفتى حفيد الشيخ دراز ومعى أفراد الأسرة جميعا، فإننا نعلم علم اليقين أنه لم يكن يوماً ما عضواً فى مجلس البلاط – والذى، حسب معلوماتى، كان يضم أعضاء من الأسرة العلوية فقط – وأن الشيخ دراز لم يكن يوما مستشاراً للملك فاروق ولم ينتم قط للحزب السعدى، أو أى حزب من الأحزاب وإنما فاز ثلاث مرات بعضوية مجلس النواب كمرشح مستقل.

ورغم أن كل ذلك (إن صح) لا يعيب الشيخ دراز أو يشينه إلا أن تأليف هذه الوقائع بهذا الشكل مثير للعجب من ناحية، ومثير للغضب من القدرة على الإدلاء بهذه الروايات بثقة توحى بأنها تاريخ حدث بالفعل من ناحية أخرى، ولى الحق أن أتساءل عن كيفية حصول راوى تلك الأساطير على هذه المعلومات، وهل حضر سيادته مجلس البلاط هذا أم أن الملك فاروق أو أحد الحضور قد رواها له، وكيف يقول إن الشيخ دراز «انبرى» وقال كذا وكذا؟!، وهل يجوز الخلط بين التاريخ الحقيقى وبين الخيال أو السيناريو المتخيل ونشره على أنه حدث فعلاً؟!، وهل يليق اختراع وتلفيق التاريخ مع اسم الراوى ولقبه واللحية البيضاء ؟!».