فى ندوة مكتبة «حنين» التى ضمت كوكبة من كبار المفكرين والمبدعين المصريين، دار الحوار عن مستقبل مصر فى ظل تنامى التيارات الظلامية وسيطرة الثقافة الوهابية على الشارع المصرى، ومن أهم القضايا التى طرحت على مائدة النقاش فى «حنين» قضية الرقابة،

وكان السؤال الذى فرض نفسه، هل ماتت الرقابة؟، وهل يعنى صدور قوانين رفع الرقابة عن الصحف والكتب والمطبوعات مزيداً من حرية المبدع؟، كانت الإجابة المدهشة والصادمة أن الرقابة صارت أكثر شراسة وعنفاً وقمعاً فقد انتقلت من قلم الرقيب الأحمر إلى عقل المبدع المرتعش المتردد، صار القلم الأحمر ساكناً خلايا مخ المبدع بعد أن كان ساكناً درج الرقيب،

صارت الحواجز الفولاذية القامعة الكابتة تسد شرايين الحياة المغذية لخياله وابتكاره وأحلامه وهذه الرقابة الداخلية هى أقسى وأعنف وأخطر أنواع الرقابة.

حكى رسام الكاريكاتير «جمعة» عن انتقال الرقابة من سلطة الرقيب الذى يأتى من خارج المؤسسة الصحفية إبان الثورة والذى كان ينتمى غالباً إلى أهل الثقة من ضباط الثورة، ثم انتقلت الرقابة مع عصر السادات إلى سلطة رئيس التحرير، والمشكلة أن الرقابة الأولى برغم شكلها الصارم والصادم لهبوطها ببراشوت من خارج المياه الإقليمية الصحفية، إلا أنها كانت رقابة أخف من رقابة رئيس التحرير،

فالرقيب الأول كان من السهل الضحك عليه ببعض أساليب الخبث الصحفى، أما رئيس التحرير فقد كان يفهم هذه الألاعيب ولا تنطلى عليه أساليب الالتفاف من الخلف، حكى السيناريست «عاطف بشاى» فى الندوة عدة قصص عن بعض السيناريوهات التى توافق عليها الرقابة الحكومية التليفزيونية وللأسف الشديد يذعر منها المخرج والممثل ويكون ملكياً أكثر من الملك!!،

حكى أيضاً الروائى محمد عبد السلام العمرى عن دعم المثقفين له فى معركته مع التيار السلفى بعد نشر قصته فى الأهرام والتى تناولت تنفيذ حد قطع الرقبة فى السعودية بعد صلاة الجمعة، وتساءل هل يستطيع الآن أن ينشر نفس القصة فى الأهرام بدون قطع رقبته هو شخصياً!!.

عندما دخل المجتمع نفق الوهابية المعتم صار المبدع مكفراً ومرتداً فى نظر مخالفيه، وهى تهم تهدر دمه وتقدمه لقمة سائغة لأكلة لحوم وأدمغة البشر، ولذلك صارت الرقابة فى داخل لاوعى المبدع، يضغط عليه المجتمع بقيمه الشكلية الجديدة التى تعلى من قيمة النفاق الاجتماعى المظهرى وتخنق قيمة الصدق والشفافية والوضوح، فيدخل إلى قوقعته وشرنقته، ويظل يشطب ويشطب ويقصقص ويشذب ويهذب ويكبح ويفرمل ليقدم إلينا فى النهاية أجنة إبداعية مشوهة ناقصة النمو ممنوع عليها التنفس حتى فى الحضانة.

الرقيب القديم كان يرفع شعار وقاية المجتمع والحفاظ على السلام الاجتماعى، أما المبدع الجديد فيرفع شعار التقية من المجتمع والبعد عن وجع الدماغ، المبدع القديم استطاع بالرمز والتورية الهروب من السجن والحرس، أما المبدع الجديد فلن يفلح لأنه يعانى من الشلل والخرس!!.