«الدين لله والوطن للجميع».. مقولة كادت تنقرض من الذاكرة المصرية، وحل مكانها التلاسن والتجريس والشجار والكراهية باسم الدين، حتى داخل الدين الواحد تشعبت الِفرق، وصار كل منها له «ألتراس» خاص يقذف الحجارة عبر النت ويزرع الألغام عبر الفضائيات، «سنةً وشيعةً»، «أرثوذكس وبروتستانت»، تمزق جسد الوطن أشلاء، والكل يرقص على أنغام الزار الأصولى الهيستيرى، يظن أنه الرابح والكل خاسر، والكل مهزوم. فى وسط هذا الجو المحموم، وصلتنى رسالة تحاول أن تتحدث بالمنطق بعيداً عن حوارات العقائد، الرسالة من القس البروتستانتى جوهر عزمى، أمين عام مدارس الكنيسة الإنجيلية، رداً على الأنبا بيشوى، يقول القس جوهر:

«لقد أصبحت الكنيسة الإنجيلية قضية تشغل مساحة كبيرة من اهتمام وتفكير الأنبا بيشوى، ويشعر بالتهديد الدائم من جهتها، مع أن الكنيسة الأرثوذكسية فى شعبها وإمكانياتها تفوق الكنيسة الإنجيلية أضعاف المرات فى مصر طبعاً، ولكن لست أعلم سبب هذا الفزع من الإنجيليين، وإن كنت أجد له بعض المبررات، منها أن الكنيسة الإنجيلية بفكرها المستنير، وانفتاحها على الآخرين، وحرية التعبير والتفكير، وبالديمقراطية الحقة التى تمارسها، هى موضوع إعجاب وتقدير.. وقد اعتاد الأنبا بيشوى منذ عدة سنوات وبين الحين والآخر أن يقذف بتصريح يهاجم فيه الكنيسة الإنجيلية ويُسىء إليها، مثلما ادعى منذ فترة قصيرة أن الإنجيليين لن يدخلوا الملكوت وكأن الملكوت حكر على الأرثوذكس فقط دون خلق الله، وهو يتحدث وكأنه حارسٌ للملكوت، وعارفٌ بأسراره، وحامل مفاتيحه، وهذا وهم كبير.

يتحدث عن التغلغل البروتستانتى للكنيسة الأرثوذكسية، قائلاً إنه (مستمر بتمويل من أمريكا، وتتم هذه الاختراقات من خلال مؤتمرات للشباب بأسعار رمزية.. يأخذونهم لقضاء يوم كامل فى الرياضة واللعب والسباحة فى حمامات مشتركة للشابات والشباب ثم يُقدمون لهم وعظة بروتستانتية فى آخر اليوم)، وأقل ما يُقال على هذه التصريحات غير المسؤولة إنها أوهام وخيالات ومحض افتراءات وأكاذيب ولا يليق بالشباب الأرثوذكسى الذى يصوره الأنبا وكأنه قطيع يُساق بلا فهم أو عقل، ويمكن خداعه أو تغيير معتقداته بهذه السذاجة، وإنه شباب مكبوت يندفع وراء شهواته ويترك (الأنشطة البريئة) - على حد تعبيره - الموجودة فى الكنيسة الأرثوذكسية ليذهب إلى أنشطة غير بريئة، وهذا الكلام أعتبره إساءة إلى الشباب الأرثوذكسى العاقل وسباً وقذفاً للكنيسة الإنجيلية.

أما قصة الأموال الأمريكية، فهو يُدرك تمام الإدراك أننا لا نتلقى أموالاً من أحد، ويعرف مَنْ المُتلقى الفعلى لهذه الأموال، ولكن الأنبا بيشوى يعتقد فى نظرية المؤامرة، ويُغازل الكثيرين ممن يؤمنون بها.

قال سيادته بالنص فى حواره مع «المصرى اليوم»: (الأقباط أصل البلد ونحن نتعامل بمحبة مع ضيوف حلّوا علينا ونزلوا فى بلدنا واعتبرناهم إخوتنا)، هذا اقتناع البسطاء من المسيحيين، وقول تنقصه الحكمة والحنكة وفيه مغالطة تاريخية، لأنه وإن كانت مصر قبل ألفى عام مسيحية، فإنها تحولت عبر السنين إلى الإسلام، ولم يكن هذا التحول بفعل الوافدين إليها من غير المصريين، بل تحولت بتحول الأغلبية المسيحية إلى الإسلام لأسباب كثيرة ومختلفة، كما أننا لا نستطيع أن نردد هذا القول الساذج مثلما لا يستطيع الهنود الحمر أن يرددوا اليوم أنهم أصل أمريكا وأن الأمريكيين الحاليين وافدون عليها وغرباء وضيوف فيها، كما أن هذا القول فيه إحساس بالتعالى والتفوق، ويطيح بمبدأ المواطنة».