حرمان أب من حضانة ابنته لأنه مصاب بفيروس سى! ليس خبراً مزعجاً فحسب، بل إنه خبر كارثة ومأساة حقيقية.. النيابة تجبر الأب على تسليم ابنته بناء على أوراق قدمتها الأم تثبت فيها أن الأب مصاب بفيروس سى!!، هل طالت يد الاضطهاد الذى يمارسه المجتمع على مريض فيروس سى حصن العدالة وقلعة القانون؟، نحن لا نعلق على أحكام قضائية أو قرارات نيابة، فلهم كل الاحترام، وإنما نناقش موقف مجتمع من مريض اجتمعت على تمزيق روحه وجسده كل مؤسسات الوطن وأفراده وهيئاته، مريض لا ذنب له إلا أن وطنه يفتقد بدهيات فهم المرض، فرغم أن مصر أكثر بلاد العالم إصابة بهذا الفيروس فإن المجتمع جاهل بطبيعة هذا المرض وطرق العدوى به.. مجتمع عنصرى يمارس التمييز ضد مريض فيروس سى.. مجتمع يضطهده فيحرمه من العمل، ومن الزواج، ومن السفر للخليج، وأخيراً يحرمه من تربية وحضانة أبنائه!! أعتقد أن قرار إحراق مرضى فيروس سى فى أفران غاز زمن الهولوكوست للخلاص منهم قادم لا محالة، وقرار إعدامهم فى ميدان عام ينتظر مجرد إمضاء رئيس الحكومة تخلصاً من وجع دماغهم ومساهمة فى تحديد النسل!

أصبح مريض فيروس سى هو مجذوم القرن الحادى والعشرين، كما كنا نتعامل مع مرضى الجذام فى الماضى بعزلهم فى مستعمرات تشبه معتقلات الواحات.. صرنا نتعامل مع مرضى فيروس سى بعزلهم فى مستعمرات معنوية، فى عالم افتراضى من صنع أوهامنا، مستعمرات أسوارها نظرات احتقار، وأسلاكها الشائكة سلوكيات تربص وريبة، مستعمرات مكانها أمخاخ وعقول المصريين الذين لم يجعلوا من مقاومة هذا المرض مشروعهم القومى الأول، فتصرفوا بمنطق أن إخفاء جثة الميت يعنى أن الشخص مازال حياً يرزق!، سياسة «طنش واكفى ع الخبر ماجور».. نحن أمام كارثة والجميع مشغول بالانتخابات ومعارك الألتراس، مريض فيروس سى، يتيم الأب «المجتمع» والأم «الحكومة»، صار طريداً منبوذاً من الجميع.

مريض فيروس سى لا يُمنع من ممارسة الجنس مع زوجته، مريض فيروس سى لن ينقل المرض الى ابنته عبر الهواء بالتنفس ولا باللمس ولا بالحضن أو القبلة، مريض فيروس سى يستطيع أن يتعايش مع أهله وأقاربه وجيرانه، لذلك لابد أن نقول «لا للعنصرية» ضد هؤلاء المرضى.. «لا للتمييز».. «لا لاضطهادهم».. «لا لعزلهم اجتماعياً».. «لا لمطاردتهم فى رزقهم وحياتهم».

لابد من حملة إعلامية كبيرة لتوعية الناس بطرق العدوى، لابد من دورات توعية للمواطنين بمن فيهم وكلاء النيابة وحتى الأطباء الشبان الذين ينسيهم تخصصهم البعيد عن الكبد أبجديات المرض، لابد من نشر الثقافة الطبية السليمة والوعى الصحى الصحيح من خلال الندوات والبرامج، لابد من وضع سياسة محاربة مرض فيروس سى والتعامل معها كقضية أمن قومى وتحت رعاية ورئاسة رئيس الجمهورية مباشرة.