وصلتنى ردود كثيرة عنيفة ومتشنجة رداً على ما كتبته عن الحجامة، وصلت الاتهامات حد التكفير وإنكار السنة والمعلوم من الدين بالضرورة.. إلى آخر هذه القائمة الجاهزة التى يطلقونها كفزاعة لتخويف كل من يفكر أو يناقش، وقد بح صوتنا فى محاولة إفهام هؤلاء المتاجرين بالحجامة أن إنكارها ليس انتقاصاً على الإطلاق من قيمة الرسول ولا إهانة لسنته الشريفة وإنما محاولة لفك أسر العقل الذى نادى به النبى الذى قاد هذه الأمة فى الماضى إلى التقدم والرقى، ولكن هيهات فبيزنس الحجامة أعمى العيون فجعل المؤلفة جيوبهم يضحون بصورة الإسلام فى سبيل فيزيتة الحجامة.

كانت كل الردود تحمل معنى واحداً وهو أن كل الأحاديث المتعلقة بالطب والعلاج واجبة الاتباع بالحرف الواحد مادامت صحيحة السند، وسأترك الرد لرجال الدين المستنيرين على هذه النقطة حسماً للجدل.

يقول ابن خلدون «الطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شىء»، وإنما هو أمر كان عاديا للعرب، ووقع فى ذكر أحوال النبى من نوع ذكر أحواله التى هى عادة وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه إنما بُعث ليعلمنا الشرائع، ولم يُبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات. وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». قال: «فلا ينبغى أن يُحمل شىء من الطب الذى وقع فى الأحاديث المنقولة على أنه مشروع».

يقول الشيخ محمد أبوزهرة فى كتابه « تاريخ المذاهب الإسلامية» فى شأن حديث تأبير النخل: «الحديث يتعلق بالصناعات وفنون الزراعة، وتثمير الأشجار، فهل يتصور أن النبى يمكن أن يكون حجة وذا خبرة فى فنون الزراعة والتجارة، وصناعة الزجاج والجلود، ونسج الأقطان والحرير، وغير ذلك مما يتعلق بالمهن المختلفة؟!، إن كانوا يتصورون ذلك، فقد خلطوا خلطاً كبيراً، ولن يميزوا بين رسول جاء بشرع من السماء، وصانع ذى خبرة فنية، وتاجر عالم بالأسواق».

يقول الفقيه محمد سليمان الأشقر: «الأحاديث التى تدخل فى صلب الأمور الطبية والعلاجية، لا ينبغى أن تؤخذ حجة للطب والعلاج، بل مرجع ذلك إلى أهل الطب، فهم أهل الاختصاص فى ذلك، أهل الطب هم أهل الحذق والمعرفة بها، وإلى المرجع فى هذا الباب. وقد يتبين فى شىء من هذه الأحاديث الخطأ من الناحية الطبية الصرفة، وكما قال القاضى عياض: «ليست فى ذلك محطة ولا نقيصة، لأنها أمور اعتيادية يعرفها من جربها».

ويضيف: «ليس فى ذلك حط من منصبه العظيم الذى أكرمه الله به، لأن منصب النبوة مُنصب على العلم بالأمور الدينية، أما إن اعتقد أن دواء معينا يشفى من مرض معين، فإذا هو لا يشفى منه، فإن ذلك الاعتقاد لا دخل له بالنبوة، بل هو يعتقده من حيث هو إنسان، له تجاربه الشخصية، وتأثراته بما سبق من الحوادث، وما سمع أو رأى من غيره».