سعدت عندما وجدت إعلاناً عن محاضرة سيلقيها إدوارد دى بونو فى مصر، وهذا الرجل له فضل كبير على كل المهتمين بالفكر الإبداعى حول العالم، وأنا شخصياً مدين لكتبه - برغم ما فيها من تكرار – بتغيير كثير من الأفكار النمطية فى حياتى لدرجة أننى شجعت زميلى د. إيهاب محمد لترجمة كتبه إلى اللغة العربية عن طريق هيئة الكتاب وها هو قد أنجز ترجمة كتابين من كتبه. إدوارد دى بونو طبيب مالطى درس الفلسفة وعلم النفس إلى جانب الطب، وابتكر مصطلحاً جديداً فى عالم التفكير الإبداعى وهو مصطلح التفكير الجانبى LATERAL THINKING، ووهب حياته كلها للثورة على النمطية التى أحياناً ما تسجن الإبداع العقلى، وقد استعانت بأفكاره المبتكرة كبرى الشركات العالمية مثل كوكاكولا وإريكسون، وأعتقد أننا نحن العرب فى أمس الاحتياج لأفكار هذا الرجل فى تغيير طرق تفكيرنا التقليدية المتخلفة.

يحكى «دى بونو» دائماً قصة بسيطة لكى يفرق بها بين التفكير الرأسى التقليدى المنطقى وبين التفكير الجانبى الثورى المتمرد، القصة عن مرابى عجوز يساوم أباً مديناً على الزواج من ابنته مقابل إعفائه من دفع الدين أو السجن، ويبتكر ما يسمى حل العناية الالهية من خلال وضع حصواتين واحدة بيضاء والأخرى سوداء فى كيس قماش، وعلى الفتاة أن تختار، الحصوة البيضاء معناها الحرية والإعفاء من الدين، واختيار الحصوة السوداء يعنى العكس، لمحت الفتاة المسكينة المرابى وهو يلتقط حصواتين سوداوين ويضعهما فى الكيس، قبل أن تكمل القراءة فكر بماذا تنصح الفتاة وما هى الحلول طبقاً للتفكير الرأسى التقليدى؟، أعتقد أنك بعد برهة من التفكير ستتخيل أن الباب مسدود وأن الأب الفقير إما مسجون أو بائع لابنته بثمن بخس لزوج عجوز مرابى!!، الفتاة فكرت بطريقة مبتكرة غير تقليدية وأمسكت بالكيس والتقطت حصوة وادعت التعثر، تركت الحصوة تقع من الكيس بسرعة وتتوه على أرض الحديقة بين الحصى الكثير، ثم قالت إنها سلمت أمرها للعناية الإلهية وماعليها إلا أن ترى الحصاة الباقية فى الكيس لتعرف وتكتشف قدرها فى الحصاة التى وقعت على الأرض!!!.

حكاية تبدو من حكايات الأطفال الساذجة، لكنها حكاية لها دلالة ومغزى فى فهم التفكير الجانبى، الذى يقصده دى بونو، التفكير الرأسى يركز على التقاط مافى الكيس، أما التفكير الجانبى فركز على ما هو غير موجود فى الكيس، ونستطيع أن نلخص الفروق مابين التفكير الرأسى والجانبى فى النقاط التالية، عيوب التفكير الرأسى هى أنه ينتقى الحل المطلوب ويكتفى بذلك، يسير فى اتجاه واحد محدد، تحليلى، يسير فى خطوات متتابعة، يعتمد على صحة أى خطوة يسير فيها، أى لا مجال للخطأ المتسلسل، يعتمد فقط على الشىء الذى له علاقة وينبذ غيره،يتخذ المسار الواضح المألوف، أما التفكير الجانبى فيتجنب هذه العيوب، فهو ينتج أكبر قدر ممكن من الحلول والبدائل، ينظر إلى أكثر من جهة، ابتكارى، يقفز من خطوة إلى أخرى، قد يكون خاطئاً فى مرحلة أو خطوة، يبقى على كل المعلومات المتاحة، لا يعتمد على المسار الواضح.

اكشف ستر الغموض عن مثل هذه الأفكار والرؤى بمزيد من قراءة كتب إدوارد دى بونو المبدع المختلف، المحرض على استخدام كل طاقات العقل المحبوسة، وأرجوك أول ما تفعله بعد قراءتها أن تختلف معه!.