ما حدث فى قرية «كترمايا» اللبنانية همجية وبربرية لا يصدقها عقل، وفضلاً عن أنها فتحت ملفات سياسية وأمنية فإنها فتحت ملفاً آخر أكثر أهمية وهو ملف التلذذ بالعنف والتمثيل والسحل الذى بات يشكل ملمحاً مهماً فى ثقافة الشارع العربى، فما حدث من وحشية فى التعامل مع الشاب المصرى يجعلنا نسأل: كيف نما إحساس التشفى بالسحل وتقطيع الأوصال؟، ما هو السيناريو الذى أوصل أهل قرية كاملة يزغردون ويهتفون «الله أكبر» ويرقصون حول جثة مسلوخة ثم يصعدون بفرحة عارمة لتعليقها عارية على عمود إنارة معلقة من العنق بسلك حديدى، تم كل هذا دون رنة استنكار أو همسة عتاب أو كلمة حرام ده خلاص مات وشبع موت؟!!،

كيف تدخل قرية بكاملها هذا الزار الدراكيولى المرعب لترقص رقصة الموت دون أى إحساس بالذنب، ما هو السيناريو الذى يصنع ثقافة القطيع الغوغائية المتعطشة للدماء ويقتل أى ذرة إنسانية فى قلوب هؤلاء البشر، إذا كانوا يستحقون لقب بشر؟!!.

نحن أحياناً نصفق لكلمات وجمل خطابية عند وقوع أى جريمة ولا نعرف أن مثل هذه الكلمات والعبارات تحضير لجريمة أكبر وصياغة لوجدان أقسى وأعنف، وعندما كنا نحذر مثقفينا ونوابنا وإعلاميينا من الترويج لعبارات مثل «مطلوب إعدامهم فى ميدان عام» أو «قطع رقبتهم أمام الناس» مثل بعض الدول التى نقتدى بها!، كانوا يهاجموننا تحت شعار القصاص والثأر ويستاهل،

دائماً فى الجرائم الصادمة نكرر مثل هذه المطالبات ولا نروج لدولة القانون ومفهوم المدنية الحديثة ونظرية العقاب الحديث التى تبغى الإصلاح إلى جانب العقاب، مطالبات تميت الإحساس والإنسانية ببطء وتجعله «عادى»، نحن لسنا فى غابة، وثقافة التحضر مختلفة عن ثقافة القطيع، ومشاهد السحل فى العراق التى كان يهلل لها البعض، لم نكن نعرف أننا بهذا التهليل نضع بذرة «كترمايا» وغيرها،

ومشاهد قطع رقاب الأمريكان والكوريين بسكاكين الزرقاوى وأعوانه التى كان يمجدها البعض ويستمتعون بها على النت ويرسلونها إيميلات للآخرين لأنها من باب النضال، لم يعرف هؤلاء المهللون الممجدون أنهم يدشنون ثقافة الهمج وسلوك الرعاع من ذبح وتمثيل ووحشية، عندما كان يمسك أحد المجاهدين الأشاوس برأس جندى غربى ليعرضه على الكاميرات لتخرج معه أدنى غرائزنا من تشف وحقد وغل،

كنا لا ندرك أننا نصنع جيلاً من أكلة لحوم البشر ونعود إلى قانون الغاب وإنسان الكهف، عندما يدعو بعض دعاتنا إلى الرجم حتى القتل ويتحمس شبابنا وينشر مناظر الرجم البشعة حتى الموت فخراً بهذا الأسلوب ونسبته إلى الدين، فنحن لا نعرف أننا نضلل هؤلاء المغيبين الذين يحولون كبتهم إلى طاقة غضب مدمرة ووحشية.

أرجو أن يشرح لى علماء الاجتماع كيف يهتف أهل «كترمايا»: الله أكبر وهم يسحلون الشاب المصرى ويبترون أوصاله وأعضاءه، كيف يربطون الرحيم الغفور بهذا المشهد البشع؟!.

كل ما أخشاه هو أن تنتقل عدوى الهمجية إلى مناطق أخرى نتيجة الترويج لممارسات أصبحت فى متحف التاريخ.