وصلتنى رسالة من د. هدى شامل أباظة، الأستاذة بكلية آداب عين شمس، حفيدة النقراشى باشا، تعليقاً على مقالى عن علاقة الشيخ حسن البنا باغتيال جدها رئيس الوزراء السابق. أهم ما فى الرسالة وثيقتان تلخصان طبيعة التلون السياسى للإخوان، وكيف يطغى طموح الحكم على مثاليات الدين، فيتحول الداعية الدينى إلى «حاوى سياسى»، ويتحول القلم إلى حرباء تتلون حسب الظرف والمنصب. تقول الرسالة:

لقد أثلج مقالك صدورنا - نحن أسرة النقراشى - حيث مازال عدد ليس بالقليل من المثقفين يشكك فى علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالاغتيالات السياسية، فمن ناحية الناس لا تقرأ بتعمق، فيما عدا قلة منهم، ومن ناحية أخرى فإن كلمة «المسلمين» لها فعل السحر، فلقد لاحظت فى المناقشات العامة أنه عندما أتعرض لموضوع الإخوان المسلمين يلتزم من أحدثهم صمتاً ينم عن الكثير من الحرج من الخوض فى هذا الموضوع، وكأن انتقاد جماعة الإخوان المسلمين فيه تجنِّ على الدين الإسلامى الذى هو منهم براء، ولقد ذكرت فى صدر مقالك أن أهم الاغتيالات التى تمت على يد الجماعة هو اغتيال النقراشى.

وفى الواقع فإنه مما دعا النقراشى للتحرك السريع هو حادث اغتيال الخازندار، الذى كان بمثابة الاعتداء على الشرعية، متمثلة فى شخص هذا المستشار الذى نطق بحكم لم يرق للجماعة، فقررت تصفيته جسديا، ليكون عبرة وعظة لغيره، وقد عثرت على وثائق ضمن أوراق النقراشى ضمّنتها كتابى، منها رسالة لحسن البنا إلى الملك، وتقرير من وزارة الداخلية مرفوع للنقراشى حول زيارة مرشد الإخوان المسلمين لديوان الوزارة، لا يفصل بين الاثنين سوى ثلاثة أيام، فى الرسالة الأولى يستعدى المرشد العام الملك على النقراشى بينما نجده فى زيارته لديوان وزارة الداخلية يمتدح النقراشى، ويتنصل من مسؤوليته تجاه من «اندسوا على الإخوان المسلمين» - على حد قوله.

من الوثيقة الأولى التى أرسلها البنا إلى الملك نقتبس «يا صاحب الجلالة إن الإخوان يلوذون بعرينكم وهو خير ملاذ، ويعوذون بعطفكم وهو أفضل معاذ، ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة أو بإعفائها من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أقدر على حملها»، ويغازل البنا الملك فيقول: «الإخوان هى أطهر مجموعة على ظهر الأرض.. وأكسب ورقة فى يد كل عامل لخير البلاد والعباد».. خذ بالك من تعبير «أكسب ورقة»!

الوثيقة الثانية هى مذكرة رفعها عبدالرحمن عمار، وكيل الداخلية، إلى النقراشى عن ملخص مقابلته مع البنا يقول فيها عكس ما قاله للملك تماماً، كتب عمار: «حدثنا البنا أنه يريد أن ينهى إلى دولة رئيس الوزراء بأنه قد عول نهائياً على ترك الاشتغال بالشؤون السياسية، ثم تكلم مادحاً دولة النقراشى باشا قائلاً إنه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته فى كل الأمور.. ومن صالح الحكومة والأمة معاً أن يبقى الصرح الضخم الذى جاهد الإخوان المسلمون سنوات طويلة فى إقامته».

إنها لعبة قمار سياسى، ومن الممكن أن «نطنش» على القمار السياسى مع أى جماعة سياسية لأننا سنستطيع أن نناقش وندين ونسحب الثقة، ولكن عندما يكون القمار السياسى شرعياً يستخدم أوراق الدين فى لعبة «بريدج سياسى» تحتمى بالحلال والحرام والتكفير والردة والولاء والبراء، هنا تتحول أوراق الكوتشينة إلى أسلحة توكيلات إلهية تحتكر الجنة والنار.. عندما يلعب الدين سياسة فإنها لعبة الموت.