قامت الدنيا ولم تقعد عندما اختار وزير التربية والتعليم، د. أحمد زكى بدر، الشاعر فاروق شوشة لمراجعة وتطوير مناهج اللغة العربية من ضمن مجموعة من المثقفين سيجتمع معهم ويشاورهم فى تطوير المناهج، قرأت هجوماً لا يليق بهذا الرجل، الذى يستحق عن جدارة لقب آخر الرجال المحترمين، قال عنه ناقد كبير: «من هو فاروق شوشة؟!، وكيف تختارون مَن تعدى السبعين من العمر؟!» وكأن الخبرة عورة وعار يجب التخلص منهما، وكأن تذوق وفهم اللغة العربية وقْف واحتكار على من هم تحت الأربعين!، والمدهش أن هذا الناقد عندما اقترح أسماء أخرى وجدناه يقترح مَن هم أكبر سناً من فاروق شوشة ولهم كل الاحترام والتقدير مثل د. تليمة وحامد عمار وعبدالمطلب!!، وقال شاعر آخر: «شوشة شخص غير تربوى ولم يقدم لنا أى إنجاز أثناء خدمته»!!، فاروق شوشة لم يقدم إنجازاً أثناء خدمته الإعلامية!!، فهو، على المستوى الإنسانى، رجل دمث الأخلاق..

هادئ النبرة.. عف اللسان، وعلى مستوى خدمته للغة العربية، قدم الكثير والكثير مما يجعله واحداً من أهم حماة لغة الضاد على مستوى العالم العربى كله، تشهد له بذلك إنجازاته فى مجمع اللغة العربية، الذى يشرف برئاسته الآن، تشهد له دواوين شعره ذات النفس المتفرد والبصمة المتميزة واللغة الرصينة الموحية، يشهد له برنامجه الإذاعى اليومى الرائع «لغتنا الجميلة»، الذى يعد مدرسة قائمة بذاتها تعلمت فيها أجيال وأجيال، يشهد له تلامذته المنتشرون فى أرجاء العالم كله، تشهد له نظافة اليد والضمير فى جهاز إعلامى سمعنا فيه عن أضخم فضائح مالية تزكم الأنوف، وعرفنا بشراً صاروا مليارديرات من بيزنس الإعلام، يشهد له برنامجه التليفزيونى «أمسية ثقافية»، أهم أرشيف مرئى ثقافى لذاكرة الثقافة العربية، والذى أوقفه التليفزيون بعد أن جعل ميعاد إذاعته فى الثالثة صباحاً!!

عندما كنت فى إعدادى طب التى كنا ندرسها فى كلية العلوم، وكنت حائراً بين الطب والإعلام، تركت محاضرات كثيرة فى أول شهرين من الدراسة لكى أحضر فى مدرجات كلية الإعلام، كان أجمل المحاضرات التى أحضرها هى محاضرة فاروق شوشة لطلبة قسم الإذاعة فى الأدب العربى، متعة ما بعدها متعة، وجمال لا يضاهيه جمال، أدمنت محاضراته، التى يغوص فيها بحثاً عن الدر الكامن فى لغتنا العربية الجميلة التى يعشقها، والتى يعشقها كل من استمع إلى صوته الرخيم العذب، ذهبت وراءه مريداً من مريديه إلى الجامعة الأمريكية، حيث اختارته الجامعة من بين مئات الشعراء المصريين ليمنح طلابها قبساً من فيضه الكريم، لم يبخل بوقته ونصائحه على شخصى المتواضع وأنا مجرد طالب يحبو فى جامعة القاهرة، عندما قدمت له مجموعة قصصية قرأها بعناية وتنبأ لى بمستقبل مضىء فى دنيا القصة القصيرة، ومازال يلومنى حتى هذه اللحظة على تركى كتابة القصة القصيرة ويتهمنى بخيانة هذا الفن الجميل.

لماذا صارت خلافات المثقفين خناقات؟!، ولماذا دائماً يصوبون رصاصاتهم فى الاتجاه الخطأ، يصوبونها فى صدور مثقفين شرفاء كل جريمتهم أنهم يحترمون أنفسهم ولا يتقنون فن الردح والسب العلنى؟!