الجنس عندنا فى مصر وبلاد العرب سلوك سئ السمعة حتى ولو تم بدون ضجيج وفى داخل زنزانات مغلقة وبين بشر يحترمون خصوصيته ويمارسونه فى الإطار الشرعى ،ولذلك فالكتابة عنه طيش غير مبرر وخروج عن المألوف وقفز فوق أسوار العادات والتقاليد والأعراف وقلة أدب ونقص حياء وبجاحة حتى ولو كانت تلك الكتابة بأسلوب علمى وبرغبة حقيقية فى المعرفة لاالإثارة والتهييج، وحتى لو كان المتصدى لها متخصصاً فى علوم الجنس أومايطلق عليه السكسولوجى ،فأنت طالما كتبت فى الجنس فأنت مدان مدان ياولدى !.

وبرغم أننا نتحدث فيه وعنه وبه ليل نهار ،إلا أننا نفعل ذلك فى السر وبمنطق خفافيش الظلام ،ولذلك عندما نكون فى العلن ونخرج إلى النور سرعان مانقلوظ العمامة ونتقمص دور الحكيم العالم القديس الطاهر ونهاجم كل من يتطرق إلي مناقشته وطرح مشاكله بصراحة فنذبحه بعد أن ندينه ،ونجرسه لأنه خرج على النص المعد سلفاً بأن نكذب على أنفسنا ونمثل فى تصرفاتنا وسلوكياتنا حتى نستحق لقب المواطن الصالح ،ولأنه غرد خارج السرب الذى لايغنى لأن الغناء عيب ولايبتهج لأن البهجة حرام ، ولذلك فهمت سر خوف و إحجام كبار المفكرين عندنا عن دراسة الجنس والكتابة عنه بوصفه علم له إحترامه وأهميته وتفرده ،ولم يسلم من هذا الإحجام والخوف إلا الأدباء الذين كانت مهمتهم فقط هى الوصف الأدبى الذى يخدم النص وليس الدراسة التى تمنح القارئ ثقافة وتزيده معرفة ووعياً ،ويحضرنى هنا مثل واضح لهذا الإحجام عندما كتب الصحفى الكبير الراحل صلاح حافظ دراسته المهمة عن تاريخ الجنس وبعدها شطب كتابه هذا من تاريخه ولم يعد طباعته وطوقه بصمت مريب لأنه أحس أن هناك تناقضاً بين كونه صحفياً كبيراً وبين كونه مؤلفاً لكتاب فى الجنس حتى ولو كان علمياً ،وهكذا الكل يغسل يديه من هذه المهمة المريبة المحاطة بشبهة القذارة والنجاسة ويتركونها للمرتزقة من كتاب الإثارة والكتب الصفراء التى تعرض بضاعة الجنس البورنو ولاتتحدث عن الجنس كسلوك إنسانى وأداة تواصل إجتماعى ولغة حوار ومساحة تعبير ومخزون حب ونشاط بيولوجى وفسيولوجى وعالم كامل من الأسرار لابد من مناقشتها بمنطق العلم لا بمنطق البيزنس ،وبمفردات معامل كليات الطب وأقسام علم النفس والإجتماع لا بمفردات بيوت الدعارة وبائعات الهوى وتجار الليالى الحمراء .

[ تصديت لكتابة هذا الكتاب وأنا مقدر وراصد لكل ماسبق من مشاكل ،ولأننى تعودت على مثل هذه المشاكل فى كتاباتى التى تتعلق بالجنس وغيره من الموضوعات فقد قررت أن أنشره لأن قليلاً من الصدمة يصلح الحال ويحرك المياه الراكدة ،وتحمست إنطلاقاً من بديهية أؤمن بها وهى أن صحة الفكرة لايحكمها كثرة المعتنقين لها ولاقدمها الزمنى ولامكانة مروجيها وقائليها،وبماأن الجنس أكبر من أن يكون معادلات علمية وبيولوجية وفسيولوجية فقط ،فقد جعلت علاقة الجنس والعلم مجرد فصل واحد فقط وهو الفصل الثانى ،ولكى يتسع المنظور الذى نرى من خلاله الجنس فقد أفردت الفصل الأول لمناقشة الجنس كتواصل ويعرض لأهمية الثقافة الجنسية التى أعتبرها معركة الكتاب الأساسية ،وفى الفصل الأخير عرضت لعلاقة الجنس بالدين ،وهو فصل قد يسبب صدمة للكثيرين ممن تعودوا على ثقافة السمع والطاعة، وعلى أن الجنس حرام وعيب ويجب ألا نلوث به قداسة الدين وإجلاله ،وسيندهش البعض من هذا الربط ولكنها الدهشة التى أتفاءل بأنها بداية المعرفة والرغبة فى التغيير ،والأهم أنها دهشة من أجل مزيد من الأخلاقية على عكس مايتصور البعض من أن مناقشة الجنس هو عمل لاأخلاقى بالضرورة .

[ ليست من أمنياتى أن يتفق معى كل من يقرأ الكتاب ،ولكن أقصى ماأتمناه أن يثير قدراً من الجدل الخلاق داخل عقله ووجدانه ،ويبدأ من جديد فى غربلة معتقدات كثيرة رسخها العرف وزرعتها التقاليد وحماها الخوف من الخروج عن المجموع أو الإنفلات والشرود من أمان ودفء القطيع ،فمجرد إثارة التساؤل هو مهمة مقدسة أعتقد أننا فى أمس الحاجة إليها ،وأتمنى أن أوفق فى هذه المهمة التى أصبحت فى عصرنا الحالى قبضاً على الجمر وإقتحاماً لحقل الألغام .