طلب منى رئيس تحرير مجلة الهلال مقالاً لملف أسئلة الثقافة المصرية الصعبة، فقررت اختيار عدة شخصيات مبدعة رحلت، وبعد رحيلها تركت أسئلة عديدة علينا أن نطرحها من جديد. ففى مصر أحياناً يطرح المثقف برحيله أسئلة على المجتمع الثقافى أكثر ضجيجاً وأكثر استفزازاً وصداماً من الأسئلة التى طُرحت أثناء حياته، أسئلة تعرى الواقع الثقافى وتكشف عن كم اليقينيات والتابوهات التى تعشش فى نخاعه ونواته، أسئلة حين تطرحها فى نقاش أو حوار سرعان ما تجد من يكتب عن الحرية التى بلا سقف، ينقلب إلى فاشى متعصب، وكأنك تتحدث إلى أمير جماعة فى كهوف تورا بورا. اخترت من شخصيات الملف الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس وسؤاله: هل لا بد أن يمر الروائى من باب النقد اليسارى؟ ظل الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس، رغم إنتاجه الكبير والضخم، بعيداً عن الاحتفاء النقدى الذى يليق ببصمته وتميزه وتعدد إسهاماته، خاصة فى الستينات والسبعينات. وظل تصنيفه ككاتب سياسى وصحفى هو السائد والمسيطر، لكن كبار النقاد حينذاك، والذين كانوا جميعاً من اليسار، كان تدشين الروائى لا يتم إلا من خلال ختمهم الخاص، وكان عالم إحسان عبدالقدوس بالنسبة لهم هو مجرد مجتمع بورجوازى مخملى، ليست فيه رائحة الفلاح أو عرق العامل أو مشاكل البروليتاريا. وللأسف تحكمت تلك النظرة حتى فى من يحب أدب إحسان، فأصبح يخفى هذا الإعجاب، حتى لا يفضحه أو يجرسه كبار النقاد ويتهمونه بأنه من بقايا البورجوازية المتعفنة. احتفت به السينما، وصارت أفلامه الأكثر جماهيرية، ولكن هذا بدلاً من أن يصب فى صالحه صار سبة وتهمة بأنه يغازل مشاعر الشارع الذى يشعله ويجذبه الجنس، وكأن الكتابة عن الحب والجنس جريمة. قمة الإحساس بالمرارة أن يتم تصنيفك وسجنك فى قفص هذا التصنيف، بسبب الانتماء الأيديولوجى الذى جعل البعض ممن لا تطاول قامتهم «واحد على عشرة» من إحسان يتربعون على القمة، وتُكتب عنهم الدراسات المطولة، ويحصلون على الجوائز، كل هذا الاحتفاء بسبب الانتماء إلى الشلة والانتساب إلى الرابطة.