أرسل لى صديق صورة من فيلم «خللى بالك من زوزو»، يقف فيها الطالب «عمران» السلفى، الذى جسّد دوره الفنان محيى إسماعيل، أمام مجلة الحائط، التى كان عنوانها «الصراط المستقيم». المجلة لم يلتف حولها إلا عدد قليل من الطلبة، فقد كانت الأغلبية مشغولة بتتويج زينب «زوزو»، الفتاة المثالية فى الجامعة، سعاد حسنى، الحيوية والبهجة وروح المستقبل التى كانت تقاوم توابيت الماضى ومومياواته، وعلى رأسها عمران. أسفل الصورة كتب صديقى سؤالاً خبيثاً ومؤلماً: هل يا تُرى ما زال عمران لا يجد أنصاراً، وهل ما زالت زوزو هى النموذج، وهل ما زالت ترتدى التاج، أم أنها باعته بثمن بخس واشترت بثمنه النقاب؟! فى البداية لا بد أن أقدم اعتذارى واعتذار جيلى عما اقترفناه فى حق المؤلف صلاح جاهين والمخرج حسن الإمام، فقد هاجمناهما بشدة، لدرجة أن ناقداً شهيراً وقتها طالب بحصار السينما ومنع الفيلم المدمر للقيم المصرية والمخرّب لتاريخها. كنت طفلاً وقتها ١٩٧٢، ولكنى لكى أدخل فى دائرة المثقفين كان لزاماً علىّ أن أنخرط فى قطيع الشتامين، كانت التهمة المشينة هى رقص طالبة الجامعة، وأنه كيف للفتاة المثالية أن ترقص وتتنطط؟! كان الرقص مرادف الحياة، وإيقاعه هو نبضها، لكننا لم نسمح بمساحة من الفهم وقتها، ورفعنا لافتة الاتهام الجاهز: مؤامرة.. عمالة.. خيانة. لم يتحمل صلاح جاهين الهجوم البشع، وتخلى عن نصيبه فى الإنتاج، ولم يفهم حسن الإمام سر هذا الغضب الجامح، لكنى الآن أقول لهما بالنيابة عن كل المهاجمين: آسف صلاح جاهين، آسف حسن الإمام، فقد كنتما زرقاء اليمامة المزعجة التى استشرفت -بقوة بصرها وبصيرتها- سرطان عمران وزحف جراده على الأخضر واليابس من حياتنا، وانحسار زوزو وتقوقعها فى شرنقة المهانة والدونية. تخيلت العفة فى أكفان القماش، واقتنعت بأن خروجها إلى العمل عار وخطيئة، عمران أقنع زوزو بأنها شيطان لا بد أن يرتدى اللثام حتى لا يفتن الرجال، أقنعها بأنها مستباحة إذا تخلت عن المواصفات القياسية لباترونه الشرعى، ظل يصرخ: «جمعاء.. جمعاء»، حتى جمع كل سلطات الدين وتفسيراته وتوكيلاته وتصاريح فردوسه وصكوك غفرانه فى جيبه، وغرس فيها إحساس الذنب المزمن والعورة المخجلة. أتخيل أن سعاد حسنى قررت الانتحار داخلياً بإلقاء نفسها فى الشارع الإنجليزى منذ أن ماتت زوزو خارجياً فى الشارع المصرى، ظلت تضع على الـ«أنسر ماشين» أغنية زوزو، لكن زوزو كانت قد رحلت وحلّت محلها أم أيمن! عمران حوّل عنوان مجلة الحائط إلى سجن واقع، امتلك هو حق تحديد الصراط المستقيم، اتجاهه «وان واى»، ونقطة انطلاقه من محطته فقط، صادر البيت والشارع والمسجد والمدرسة، انزوت زوزو وتقوقعت، بل صارت عدوة نفسها، تربط قيودها بإحكام، وتظن الدم النازف من معصمها سواراً من الذهب. أرسلت سؤال «هل انتصر عمران على زوزو» إلى صديقين من جيلين مختلفين، الأول هو الفنان حسين فهمى الذى أرسل إجابته على شكل دمعة على وجنة وجه حزين باكٍ، الثانى هو الفنان شريف منير الذى أرسل إلىّ ابتسامة ساخرة فى رسالة تقول: لم ينتصر، ولن ينتصر عمران، أنا فى حيرة، هل ستخرج زوزو من الرماد لترقص وتضحك وتغنى وتواجه، أم أن عمران قد حبسها فى زنزانة بيت الطاعة إلى الأبد؟