ما هو الأصعب على النفس، تقرير الموت أم انتظاره؟! وهل نحن نعيش أنفسنا أم نعيش ما رسمه لنا الآخرون حتى نحصل على شهادة حسن السير والسلوك من المجتمع؟!! الروائى البرازيلى باولو كويلو، أشهر روائى فى العالم الآن، والذى صار سوبر ستار كنجوم السينما، يطرح هذين السؤالين فى روايته البديعة «فيرونيكا تقرر أن تموت»، مرّ كويلو بتجربة دخول المصحة النفسية عدة مرات، وظل يؤجل الكتابة عنها حتى جاءت فكرة تلك الرواية، فيرونيكا الشابة التى، بمقاييس المجتمع ومعاييره، لا ينقصها شىء، لكنها تقرر الانتحار بابتلاع أقراص مهدئة نتيجة رتابة تلك الحياة، التوقيت كان توقيت صراع داخلى وخارجى أيضاً فى بلدها يوغسلافيا، يتم إنقاذها وتدخل إحدى المصحات النفسية فى سلوفينيا ولكن الطبيب يخبرها أن تأثير الأقراص سيوقف قلبها عن الخفقان فى مدة أقصاها أسبوع! هى فى انتظار وترقب الموت تفقد شجاعتها حين قررت التخلص من حياتها، فى مستشفى المجانين، كما يطلقون عليه، اكتشفت أن الجنون أمر نسبى، وأن عدم التكيف مع الآخرين الذين ليسوا بالضرورة هم الصح وهم المقياس وهم النموذج الصحى، هذا اللاتكيف هو الذى يجعلهم فى خارج المستشفى يطلقون عليك مجنوناً، أما فى داخل المستشفى فقد تعلمت أن تطلق طاقتها المخزونة وتكون نفسها لأن رفقاء المصحة لن يصفوها بالمجنونة، عزفت البيانو كما لم تعزف من قبل، وصار لها مريدون يطلبون عزفها ويستمتعون به، حتى النشوة الجنسية انتشت واستمتعت بها كما تريد وترغب وليس كما كان يرغب رفيقها الذى يحدد كمّ نشوتها طبقاً لمنحه ومنعه، فى انتظار الموت اكتشفت الحياة وصارت تخاف الموت، صارت تخشى فقدان الحياة التى تتسرب من مسام روحها، قابلت فيرونيكا هناك فى المصحة نماذج جعلتها تلمس أكثر ملامح الحياة التى كانت قد قررت قطع الحبل السرى معها إلى الأبد، عرفت منهم أن تعريف الجنون هو العيش فى عالمك الخاص والعجز عن التعبير عن أفكارك، قابلت زيدكا التى دخلت المصحة نتيجة فقدان حبيبها واستمعت منها إلى أسطورة الملك الذى دس سم الجنون فى البئر لشعبه ولم يستطع حكمهم إلا بعد أن شرب من البئر وصار مجنوناً مثلهم، عرفت أنها أهدرت الكثير من قوّتها فى محاولة التصرف طبقاً للصورة المرسومة سلفاً، لم تكن تعلم أن بداخلها عدة فيرونيكات! عرفت أن المجتمع يعلمنا جريمة اسمها التأقلم! عرفت إدوارد الفصامى ابن الدبلوماسى الذى كان يطلب منها العزف على البيانو، وأحبته، وهربت معه من المصحة وتسلقت أسوارها الدفاعية واختلست النظر إلى العالم الخارجى بصحبته، تعرفت هناك إلى مارى المحامية التى تبحث عن الله وتتشكك وتحتاج إلى أن تحب نفسها مجدداً وتحلم بالذهاب إلى السلفادور لخدمة الفقراء، وجدت فى المصحة روحها التى تعزف لحن حياتها، فى النهاية نكتشف أن الطبيب أخبرها بقرب الموت المحتوم لأنه كان يُجرى عليها تجاربه!! لكنها كانت قد هربت من المصحة وسكنها إحساس اقتراب الموت إلى الأبد، ولكن هذا الإحساس استفز بداخلها الحياة.