ذهبنا لنحتضن شريهان، فوجدناها هى التى تحتضننا!، حضرنا الحفل لكى نتذكر شريهان فاكتشفنا أننا قد تركناها بالأمس فقط!!، ما زال دفء المقعد مشعاً ومحسوساً وما زالت رائحة العطر، كما هى لم تبرح المكان بعد، حقاً هذا الأمس كانت مدته الزمنية خمسة عشر عاماً ولكن مدته الروحية هى أقل من يوم، وجدنا طلتها كما هى، نفس ارتعاشتها وتوترها عندما قابلت الجمهور لأول مرة، تحمس المنتج الفنان جمال العدل الذى يفكر دوماً خارج الصندوق وقدمها فى الحفل د. مدحت العدل واحتفى بها جميع الفنانين والإعلاميين والشخصيات العامة ممن حضروا حفل إعلان المشروع الجديد الذى جعلنا نتفاءل بـ2017، 13 عملاً استعراضياً يجمع ما بين المسرح والسينما والتليفزيون، كل تلك الفنون فى بوتقة فنية واحدة تحمل ختم شريهان السحرى، لكن هل نحن فرحنا بشريهان لمجرد أننا سنشاهد عملاً فنياً جميلاً فى رمضان؟، هل عندما شاركناها دموعها وهى تبكى على المسرح فى الحفل كنا نواسيها أو نؤازرها أو نطبطب عليها؟، الحقيقة هى التى طبطبت علينا وضغطت على زر سحرى أضاء كل سراديب الروح، نحن لم نسترجع أو نستعد شريهان نحن استعدنا أنفسنا واسترددنا مسروقات خزائن ثقافتنا وإبداعنا وسماحتنا التى سلبت منا فى غفلة من الزمن!، تذكرنا الزمن الذى كانت تعقد فيه الحفلات وتقام الليالى الملاح احتفاء بفنانة اعتزلت وارتدت الحجاب وكفرت الفن وتطهرت من رجسه ودنسه، وخلفها تحتفل المنصات الإعلامية وتطبل فرق الجاز القابضة من بلاد الجاز التى تسلفنت وتوهبنت وتصحر وجدانها، ها هى فنانة جميلة قررت أن تخرج من كهف العزلة وتحطم جدار الاعتزال وتتمرد وتعود إلى رحابة الفن، قالت شريهان إنها بدون فن هى فى غربة، لست وحدك يا شريهان التى عانت من الغربة، نحن كلنا عانينا من الغربة حين فتحنا أحداقنا المنهكة فوجدنا مصر قد اختطفت بعصابة من البرابرة تكره الحياة والفن ولا تعرف من مصر سوى أنها سكن لا وطن، فرحتنا بشريهان هى فرحة بالبهجة واحتفاء بالحياة وفك لشفرة الفزورة، فرحتنا بشريهان هى فرحة بأوكسجين الكون المجانى الذى صودر فى ظروف غامضة لتحتل خياشيمنا ومسام أجسادنا رائحة البارود وغاز النابالم ورائحة عفن التطرف، فرحتنا بشريهان هى فرحتنا بعلاج الأجساد المتخشبة والأرواح المتكلسة بالرقص والغناء، فرحتنا بها هى فرحة بالفن الذى أضفاه المصرى على قراءة القرآن وأضافه إلى موال الشجن، حتى العدودة التى تلطم فيها ومعها نسوة الصعيد من شدة الحزن لم تنس مصر أن تعجنها بالفن!، عندما دخل المنتج والفنان وصانع نهضة المسرح الكوميدى الاستعراضى الحديث سمير خفاجى بكرسيه المتحرك إلى حيث تقف شريهان صفق الكل وبكى الجميع، إنه قديس البهجة يعانق فراشة الفرح، برغم الإعاقة كنا نحس بأن خفاجى يطير، وبرغم فستانها الأبيض كنا نحس بكل ألوان الطيف تزين جناحى فراشة اسمها شريهان، فرحنا بها لقوة إرادة هذه الفنانة الفولاذية التى تذوب رقة، وكما قال الأديب البرازيلى كويلو إذا رغبت فى شىء وسعيت لتحقيق رغبتك بدأب وحب سيتآمر الكون لتحقيق تلك الرغبة، وشريهان رغبت فى الحياة وأحبت الفن وتآمر الكون، بل لنقل بمعنى أصح وأدق، تصالح الكون وأعاد النظر فى مداره الإجبارى وغير مساره المحدد، لكى يحقق رغبتها ورغبتنا فى أن نعيش وأن نحلم ونمارس الفن ونستمتع به، وأن نراوغ الموت ونفلت من الكآبة ونغسل ملح المآقى الذى تحجر من قسوة وعنف ومرارة ما مر بهذا الوطن، آن لنا أن نتعافى وآن لشريهان أن تمسح غلالة الدمع وآن لهذا الوطن المكلوم أن يستعيد بهجته وضحكته وحيويته من «مغارة الأربعين داعشى وفاشى» الذين كانت نيتهم الذبح، بينما كانت أعناقنا تشرئب مناجيةً الرب أن يمد يده الحانية إلى مصر ويطبطب عليها.