اندهشت من اندهاشة الإعلام والمجتمع المصرى من قضية تجارة الأعضاء التى نجحت فى ضبطها الرقابة الإدارية!، كأنه اكتشاف أو اختراع أو مفاجأة، تجارة الأعضاء البشرية موجودة بل وتدفع لها الإعلانات فى الصحف، مطلوب كلية ومطلوب فص كبد.. إلخ، فى باب الإعلانات المبوبة والاجتماعيات فى الجرائد!!، وأسماء المستشفيات والأطباء والمعامل معروفة بالاسم ومنذ ربع قرن!، وبورصة الأرقام ومزاد البيزنس مكشوف ومفاوضاته معلنة ومباركة وتحت نظر الجميع، والتواطؤ رذاذه طال الجميع، استقبلت رد فعل الناس والإعلام مثلما استقبلت نكتة الزوج الذى تعمل زوجته فى بيت دعارة ويقبض منها فى نهاية كل ليلة واكتشف إذ فجأة أنها تخونه!!، لقد بحّ صوتى وصوت غيرى منذ أكثر من عشرين سنة، حيث كتبت أولى مقالاتى فى مجلة «روزاليوسف» عن زرع الكبد وهاجمت الشيوخ والأطباء الذين يعطلون قانون نقل الأعضاء من المتوفين حديثاً، وقلت وتساءلت، ذنب المرضى الذين يموتون من فتاوى الشيوخ وعناد بعض الأطباء المتدروشين الذين يرفضون الاعتراف بالموت الإكلينيكى مما جعل الآلاف يموتون وهم ينتظرون التعطف عليهم بفتوى أو قرار، ذنبهم فى رقبة مين؟، وعندما صدر قانون نقل الأعضاء قبل ثورة يناير وبعد صراع مرير، معترفاً بالموت الإكلينيكى ومبيحاً لنقل الأعضاء من المتوفين، اتضح أن الخوف مزمن والجبن مقيم والرعشة تسكن أعماق النخاع، الكل خائف من تفعيل القانون حتى هذه اللحظة، والوزير يخاف من تكفير السلفيين، والدولة بتتفرج على الماتش، والكل يعرف أن التجارة ستظل منتعشة طالما كان هناك عرض وطلب وسوق نخاسة يبيع فيه الفقير جسده لقاء بضعة آلاف من الجنيهات تحت وطأة الحاجة، وللأسف يسهم بعض الجهلة والحمقى فى نشر شائعات عصابات قتل البشر فى الشقق والشوارع لانتزاع أعضائهم وبيعها، وبالطبع إضافة كلمة بيعها لإسرائيل حتى تكتمل الفزاعة!!، كلام فارغ لا ينفع إلا فى أفلام المقاولات، فمن يقتل وينتزع كبداً أو كلية أين سائل الحفظ معقد التركيب الذى سيحفظه فهو لن ينقلها فى شنطة سامسونيت أو كيس زبالة كما نتخيل؟!، وهل هو لا يعرف أن هناك حداً أقصى لمدة الحفظ؟، والأهم هل أجرى matching تحليل أنسجة للقتيل قبل انتزاع أعضائه؟!، وهل عند وصوله إلى إسرائيل سيظل يقرع الأبواب اللى عايز يشترى كلية وكبدة وطحال بدون أن يعرف تحليل نسيج المشترى؟!!، هذا الكلام الفارغ ينفع مع تهريب قطعة حشيش أو سرقة حبل غسيل لكنه لا ينفع مع زرع ونقل أعضاء تحتاج تجهيزات غاية فى التعقيد والانضباط، يا ريتنا نبطل أفلام هندى وهلاوس وضلالات ونبدأ نشتغل بجد ونفعّل القانون ونرحم الفقير البائع والمريض المشترى، نقرر وبسرعة أن نكتب على رخصة المرور موافق أو غير موافق فى حالة الوفاة على نقل أعضائك، ننشر ثقافة التبرع بالأعضاء بدلاً من التبرع بها لدود الأرض، لا بد أن يعرف كل مصرى أن من أحيا ومن شفى مريضاً على وشك الموت فقد أحيا الناس جميعاً وكسب ثواباً واكتسب ضميراً ومارس خيراً لا يعادله خير، لا بد أن يعرف أنه من العار أن نظل نحن الوطن الوحيد فى العالم الذى ما زال لا يعترف بالموت الإكلينيكى ونقل الأعضاء من المتوفى وينتصر للموت الشرعى بتعريف كتب سطرت منذ ألف سنة!!، هذا التعريف المسيطر على أذهان الأغلبية ومنهم للأسف أطباء كبار، تعريف جميل ونافع لكنه جميل ونافع فقط للحانوتى!!، فهل تريد مصر أن تتحول إلى سرادق كبير؟!.