حزب الله يمنع أغانى فيروز ويصادر قيثارة السماء ويقمع متذوقيها ويسد آذانهم بشمعه الخرسانى الكريه!!، ألم تكفهم مصادرة السماء فصاروا يصادرون عصافيرها حتى يغتال التغريد والغناء ويقتل البهجة والفرح؟!، ماذا حدث؟، ماذا فعلت فيروز لكى يكرهها حزب الله؟، وما جريمة الفن، لكى يكتسب كل تلك العداوة والخصومة والغل من تجار الدين؟، ميليشيات طلبة حزب الله، أو ما يطلقون عليه «التعبئة الطلابية» التابعة لـ«حزب الله» منعوا بثّ أغانى فيروز، فقد منعوا عائلة الشاب محمد حمادة -الذى كان قد توفى بحادث سير- من وضع أغانى فيروز، التى كان يحبها الفقيد، خلال إقامة ذكرى ميلاده فى باحة كلية الهندسة التابعة للجامعة اللبنانية، وبداية أسجل إعجابى بهذا التقليد اللبنانى الجميل البديع، الذى كانت ذروته جنازة «صباح» التى صدحت فيها أغانيها، بينما الجموع تحمل نعشها فى حالة انتشاء فنى يغلفه الحزن النبيل والشجن الصادق، بينما مرت جنازة صباح بسلام وأمان، لم تمر أغانى فيروز بسلام، لأن فيروز تمثل لكل اتجاهات الإسلام السياسى استفزازاً يغيظ غلظة وجدانهم، وتكلس أرواحهم وجلافة سلوكهم، هم لا ينسون لها ترانيمها وتراتيلها الكنسية ويعتبرونها خصماً فى معركة الطائفية المجنونة التى يشعلونها كلما خمدت جذوتها، ويغيظهم أكثر هدوء حياتها الخاصة وعدم صخبها وندرة اللغط حول تفاصيل شئونها الزوجية والفنية، على عكس معظم مطربات لبنان بل ومطربيها أيضاً الذين يعشقون نشر أخبار النميمة مع سبق الإصرار والتعمد!!، لذلك ظلت فيروز مستعصية على رصاصات تجريسهم وتلسينهم وشتائمهم التى يتقنونها ويتفننون فيها، لذلك عندما جاءتهم هذه المناسبة على طبق من ذهب، ولأن المناسبة من الممكن فيها استخدام شعارات دينية مدغدغة للمشاعر تداعب البسطاء من الطلبة مزيفى الوعى ممسوحى الأدمغة، رفعوا لافتة «الموت له مهابة وجلال وقدسية»، بالرغم من أن هذه المهابة والقدسية تذوب وتتلاشى عندما يذبح أحدهم ضحية، وهو يصرخ الله أكبر!!، ذكرتنى هذه الحادثة بما حدث لى أنا وأصدقائى فى كلية الطب فى زمن صعود الجماعة الإسلامية البشع، عندما قررنا دعوة فرقة المصريين وهانى شنودة للغناء فى قاعة الاحتفالات بكلية الطب، قررت الجماعة بقيادة حلمى الجزار وعبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان احتلال القاعة وإقامة الصلاة فيها من الصباح حتى العشاء، ومنع فريق المصريين بالقوة، مارسوا قمة الفاشية بالرغم من وجود عميد رائع مستنير اسمه هاشم فؤاد، نفس الأسلوب ونفس العقلية، حزب الله الشيعى هناك والإخوان السنة هنا، فيروز المسيحية هناك وهانى شنودة المسيحى هنا، وبرغم أن فيروز كانت كالعصفور المحلق الذى لم يحبس نفسه فى عقيدة معينة ولم تستخدم قناعاتها الدينية فى انحيازات طائفية، فقد انتقلت من الكاثوليكية إلى الأرثوذكسية فى هدوء ودون ضجيج أو زفة أو تجارة، كل هذا لم يشفع لها عند حزب الله، فالمهم هو اغتيال الفن فى شخص فيروز، اختيار أهم رموز لبنان الفنية وقاماتها الغنائية لتصويب الرصاص وإلقاء كرات اللهب عليها وعلى عرشها وعلى تاريخها، لكن فيروز ستبقى حية خالدة على مر التاريخ وتموت كل الأحزاب وكل الميليشيات، وستظل السماء عصية على المصادرة والعصفور متمرداً على القفص، السماء ستظل رحبة، والعصفور سيظل مغرداً.