كل معارك التنوير ستفشل وتتحطم على صخرة المتاجرين بخطبة الجمعة، فمهما فعل أهل التنوير وفعلت الحكومة وجاهدت وزارة الثقافة وعقدت مؤتمرات ثقافية.. إلخ، لن يؤثر ذلك على تغيير الوعى الجمعى المصرى إلا كما يؤثر خدش قلم رصاص على حجر جرانيت، ذلك لأن هناك على الجانب الآخر من الشاطئ مائة ألف منبر أسبوعى تلقى عليها خطب ذات اتجاه سياسى مخلوط بوجهة نظر سلفية وهابية تعتمد على اجترار تراث مضاد للعلم، إلا من رحم ربى وهم قلة قليلة نادرة من الخطباء ممن يلتزمون بغرض خطبة الجمعة الأساسى وهو الذكر، هذا هو الغرض الأساسى كما فهمته من فقيه لا يحجب معلومة لتحقيق غرض، فقد جمعتنى ندوة فى مؤسسة الأهرام بصديقى د. سعد الدين الهلالى الفقيه المستنير الذى عرض وجهة النظر تلك وهاجم الاستغلال السياسى لخطبة الجمعة، هذا ملخص ما قاله أكتبه لتعميم الفائدة، قال د. سعد: قال تعالى فى كتابه العزيز: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، وتفسير هذه الآية الكريمة يوضح أن صلاة الجمعة ذِكْر وليست صلاة وعلماً بنص القرآن الكريم، والذكر هو ذكر الله عز وجل، أما العلم فيحتاج إلى مناقشة وللعلم أماكن ومحاريب يقوم من خلالها الدارس بتلقى العلم، والأستاذ يلقى معلومات للدارسين ولو كان الدارس لا يتمكن من مناقشة أستاذه فهذا يسمى تلقيناً وتحشيداً، والعلم فيه إقناع ومناقشة عكس الحشد والتلقين فهل خطبة الجمعة ذكر أم أنها علم؟ كل الخطباء يقولون لا يجوز للعلماء مناقشة خطيبهم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فإذا جعلنا خطبة الجمعة علماً، والعلماء مصرون أن تكون علماً، فلابد أن يسمحوا للمصلين بمناقشتهم، لكن النص القرآنى يقول إن خطبة الجمعة ذِكر، وهنا يجب أن أقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الجمعة فى المدينة المنورة 10 سنوات وكل سنة فيها 52 خطبة جمعة، إذاً عدد الجمع التى خطبها الرسول تقريباً 520 خطبة، والمفاجأة أنه لم يرد لنا من أى كتاب من كتب السنة أى شىء عن هذه الخطب رغم أن الصحابة كانوا أمناء فى نقل كل شىء عن الرسول، فهذا مؤشر أن خطبة الجمعة ذِكر وليست علماً. وبعض الروايات تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ سورة من القرآن. والفقيه الأول تاريخياً «أبوحنيفة» قال إن خطبة الجمعة جملة ذكر واحدة مثل الحمد لله، الله أكبر، سبحان الله، أما الإمام «مالك» فقال إن خطبة الجمعة تكتمل بجملتين لا ثالث لهما مثل أن يقول الخطيب (اتقوا الله وأطيعوه فيما أمر وانتهوا عما نهى وزجر) هكذا اكتملت الخطبة عند الإمام مالك، وباقى الفقهاء قال خطبة الجمعة خمس جمل؛ الأولى: الحمد لله، والثانية: الصلاة على الرسول، والثالثة: اتقوا الله، والرابعة: ذكر آية من القرآن ولو أصغر آية، والخامسة: دعاء للمؤمنين مثل اللهم اغفر للمؤمنين. وتحولت إلى علم منذ عصر الدولة الأموية خاصة الحجاج بن يوسف الثقفى. انتهى كلام د. سعد الهلالى وبقيت إجابة السؤال معلقة: مَن الذى سرق خطبة الجمعة وسوّقها سياسياً؟!.